مجلة ريدان العدد 12 من نقوش محرم بلقيس
صدور عدد جديد من ريدان (١٢)
من نقوش محرم بلقيس
... وبينما نجاهد نحن- اليمانين- لدَرْء العدوان ولبناء ما يمكن بناؤه ما راعنا إلا ع.د.وان آخر شنه الصهاينة والأمريكيون على غزة ففتكوا بأهلها فتكاً ذريعاً قل نظيره فيما عرفنا وقرأنا، ومع صمت قاتل من العرب والمسلمين ومع ما نزل بنا لم نجد بُدَّاً من النهوض نصرةً لأهلنا في غزة، فأطبقنا على سفن الأعداء وبوارجهم في مضيق باب المندب، وبذا جعلنا من "بابنا" وسيلة للتخفيف عن المستضعفين ولقهر للمستكبرين، وقبل هذا أماناً من خذلان الله لنا وسخطه علينا أن بستصرخنا أهلُ غ.زّة فلا نصرخهم (وإنِ اسْتَنْصَرُوكم في الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ..).
لقد أصلحنا- من بين ما أصلحناه- خَلَلاً دام ألفاً وخمسَ مية سنة أي منذ سنة 525م حين غزانا الأَحْبُوش عبر باب المـَنْدَب ونحن مَقْعِيّون لا نملك من أمرنا شيئاً!!
ومع كل ما فرضه علينا واقع ال.ع.دوان من قتل وتشريد ومسغبة وانصراف أكثرنا للجهاد ولكسب القوت..في أحوال كهذه ما زال نَفَرٌ من مؤرخينا وباحثينا يتصدرون لمهمة نبيلة تتمثل في دراسة تاريخ اليمن وحضارته واستيعاب دروسه في أبحاث ودراسات تحويها دفتا مجلة رَيْدان هذه المجلة العريقة في الدراسات التاريخية والأثرية.
و"ريدان" من جهتها تسعى لاستنهاض همم الباحثين وتشجيعم لاقتطاع شيء من أوقاتهم المليئة باعباء وقتنا الحاضر لنشر ابحاثهم ودراساتهم.
كنا في العدد السابق قد طلبنا من باحثينا أن يجعلوا من نقوش محرم بلقيس / معبد ( أ و م) غايتهم وأن يدرسوا منها ما عسى أن يكون بحوزتهم بعد أن مطلتنا "المؤسسة الأمريكية لدراسة الإنسان" نتائجَ تنقيبها للمواسم التي عملت فيها في المـَحْرم (١٩٩٨-٢٠٠٦م) ومنها صور النقوش المسندية مخالفةً بذلك الاتفاق الموقّع مع هيئة الآثار وبعد أن نكث مديرها بوعده.
ثم وَقَعنا على قدرٍ حسنٍ من النقوش المصورة أو المنقولة بخط اليد مما كان بحوزة الاستاذ جمال محمد مُكْرِد وهو من موظفي الهيئة الذين كانوا قد عملوا مع "المؤسسة الأمريكية" في موسمي ( ٢٠٠٤- ٢٠٠٥ م) فرأينا تمكين باحثينا منها ليضعوا بين أيدي القراء اليمانين (وغيرهم) شيئاً من تاريخ أسلافهم بعد أن طال انتظارهم للأمريكيين.
وبمناسبة الحديث عن نقوش مَحْرم بِلقيس فإن المؤرخ الكبير مُطَهّر بن علي الإرياني رحمه الله كان قد درس نقوشاً كثيرةً منها ووضعها في كتاب على أن تنشره "المؤسسة الأمريكية" نفسُها ولكنها حتى اليوم لم تقم بطباعته وكنا قد أثرنا هذه المسألة مع مدير " المؤسسة الأمريكية " عند زيارته لنا في صنعاء وطالبناه بنشر كتاب الإرياني فتعلل بعذر غير مقنع ثم تواصلنا مع أيمن بن مطهر الإرياني وطلبنا منهم تحديد موقفهم من الأمريكيين إما أن يفيَ الأمريكيون بالتزامهم بنشر الكتاب أو أن تقوم الهيئة بنشره على نفقتها وما زلنا ننتظر.
إننا نتوقع أن يكون مطهر الإرياني قد أودع كتابه المنتظر مادةً تجمع بين المنفعة والمتعة فقد كان يقرأ النقوش بحس المؤرخ وذوق الأديب فقَرّب بهذا النقوشَ والتاريخ إلى القراء كما فعل مثلاً في كتابه "نقوش مسندية".
وإلى أن نتمكن من استرجاع إرث أجدادنا من الأمريكيين و إلى أن يستجيب لنا ورثةُ المرحوم الإرياني أو إلى أن يجود علينا من بحوزته شيءٌ من نقوش المـَحْرم إلى ذلك كله.. لَسوف ندرس ما يقع بأيدينا من نقوش المـَحْرم و"ما لا يُدرَكُ كُّلهُ لا يُتْرَكُ جُلُّهُ"
وهنا في هذا العدد لن تجد ابحاثاً مقصورة على نقش مسندي واحد كما جرت عادة الباحثين لكنك واجٌد كل باحث قد درس نقشين أو ثلاثة وهو ما تطلب منهم جهداً ملحوظاً وقدرة على الامساك بأزمّة أقلامهم لكيلا تتفلت منهم في قضايا التاريخ.
وها نحن نلج مَحْرم بلقيس وهو المعبد الأشهر في اليمن والأغنى بنقوشه بين المعابد ونتلفت يمنة ويسرة فإذا بنا وسط بناء يدل ما ظهر منه وما بقي من نقوشه على تاريخ غابر وحضارة تليدة.
يقودنا علي الناشري لقراءة نقشين من نقوش المعبد فيبدأ بنقش لثوبان أصدق المقاري الحضراني وهو احد قادة إلي شرح يُـحْضب ملك سبأ وذي ريدان الجُرَتي (وسنعود إليه بعيد قليل) وقد قدم ثوبان هذا تمثالاً برونزياً لمعبوده ( إ ل م ق ه) حمداً بأن رُزِق ولداً ذكراً من زوجته ويتمنى ثوبان الحظوةَ والرضا عند سيده الي شرح يحضب، و يقف بنا الناشري أيضاً على نقش من نقوش الاعتراف الديني للمعبود إيلمقه في معبده (ا و م) وفيه تكفير عن خطيئة.
ثم يأخذ فيصل البارد بأيدينا ليقرأ لنا نقوشاً ترجع كلها لرجال من عهد الملك الأشهر شَمّر يُهَرْعِش (نهاية القرن الثالث الميلادي)، أولها نقش حربي سطّره قائدان سبئيان لشمر قاما بحملة عسكرية جديدة لإخضاع مدن حضرموت، وفيها يتتبع البارد من خلال النقوش سيرَ الحملة وأسماء المدن والمواضع الحضرمية التي مرت بها الحملة وما أحرزته من غنائم، ثم يدرس نقشين أحدهما يتحدث عن تحالف قبلي لأقيال شعب بكيل ذي ثات وبعدان والربعين ذي مهسع وهم أيضاً أقيال شَمّر يُهَرْعِش. والنقش الآخر يخص أقيال شعب تَنْعِم وتنعمة (جنوب شرق صنعاء).
وهذا عبدالله الذفيف يدرس نقشين أحدهما قدمه إيل غز الشرعي أحد كبراء الملك شَمّر يُهَرْعِش يذكر فيه قيامه بغزوة على مدينتي شِبَام والسًرّين في حضرموت ويفيد فيما يفيد أن جميع جهات اليمن قد توحدت تحت راية الحميريين مع بعض التمردات في الأراضي الحضرمية، ومن الثاني يستنتج الذفيف أن تعدد الأزواج لزوجة واحدة كان معروفاً في اليمن القديم لكنه كان مقصوراً على فئة الاتباع ( أ د م) ..هكذا ذهب، وهو ما لا نتفق معه نحن وكثيرٌ غيرنا فقد قابلته لفظة ( أ ن ث ت) التي ترد بمعنى امرأة، أنثى، زوج، منسوبة لغير واحد فاقتصر على معنى الزوجة لا سواه مع أنها تعني أيضاً امرأة وإتيانها لغير الواحد على سبيل التقدير مثلما نقول:"مَكْلَفِنا" لامرأة أحدنا، ومن الشايع في كلام جهات في اليمن حين يدعون العَمّ أباً وهذا أيضاً وارد في النقوش.
ثم يُسلِمنا الذفيف لمحمد الشرعي ليقرأ لنا نقشين أحدهما للقايد الشهير نمران أوكن وأخيه جاحض أحصن والآخر من عهد الملك إلي شرح يحضب (٢٣٠- ٢٦٥ م ) ذلك الملك الذي وصفه مطهر الإرياني بحق بأنه ما كان ينزل عن صهوة جواد إلا ليمتطي صهوة جواد آخر، وحروبه مع الريدانيين وشعبهم حِمْيَر فيها من الوجع والعبرة الشيءُ الكثير وكَمْ جهد إلي شرح لصلح مع الريدانيين لكن ما كان أسرعهم لنقض المواثيق وهنا في أحد النقوش نجد أمراً ملفتاً للنظر فهاهو إلي شَرْح يحضب ملك سبأ وذي ريدان يُقر لغريمه العتيد شمر يُهَحْمِد بأنه أيضاً ملك سبأ وذي ريدان سعياً منه لتوحيد صف اليمانين في مواجهة الغزاة الأحبوش ومن معهم من المرتزقة اليمانين و كم مرةٍ وصف إلي شرح يحضب غريمه شمر ب"الريداني" استصغاراً دون أن يعترف له بملك ،ولا ندري هل دامت حالة الصفاء بين الملكين الغريمين لكن ما نعلمه حقاً أن خليفة شمهر يُهَحْمِد الريداني قد نقض العهود مع إلي شرح يحضب.
وأما يحيى داديه فيدرس نقشين،الأول يتضمن " قيام مُسَجِّله المسمى شارح أحرس المنتمي لذي رجوز/ راجز مقتوي (تابع) نوف أذرح الهمداني الغيماني، بتقديم تمثال من البرونز للمعبود إلمقه حمداً له على ما أنعم على سيده نوف أذرح ونجّاه من وباء تفشى في مدينة مارب وأرض حاشد" ونوف اذرح هذا هو همداني من أقيال شعب حاشد وقائد كبير من قادة إيل شرح يحضب السابق الذكر، والثاني : يتحدث فيه صاحبه عن غزوة كان قد غزاها الى مدينة شبوة ( حاضرة خضرموت) مشايعاً سده الملك شعرم أوتر في قتال شنوه على حضرموت،وتحدث فيه ن الإستيلاء على شبوة وإحراقها وقد حمد معبودَه أن عاد سيده بالنصر والظفر.
ثم يطوف بنا علي صَوّال على نقوشٍ أُخَر في المـَحْرم هي في جملتها نقوش نذرية أحدها من عهد الملك السبئي وَتَار يُهَأْمِن بن إلي شرح يحضب المرثدي البكيلي ( ١٣٠- ١٧٥ م)( وإلي شرح هنا هو غير إلي شرح يحضب الذي ذكرناه آنفا)، وهذا النقش قدمه أحد أقيال شعب مَأْذِن شكراً لمعبوده الذي أعانه وشعبَه لأداء مهمة أوكلها له الملكُ وتار في مدينة مارب حين اضطُرّ الملك لمغادرتها الى الرَّحَبَة (ر ح ب ت ن)، وأما النقش الثاني فمن عهد الملك عِلْهان نَهْفان بن يريم أيمن القَيْل (ثم الملك) الحاشدي ( ٢٠٠- ٢١٥ م) وابنه شِعْرْم أَوْتر ،ويستفيض صوال في ذكر أحداث عهد الملوك المتصارعين على الحكم مستعيناً بمعطيات التاريخ وبشيءٍ من مُخيّلة المؤرخ.
وحين ننتهي من مَحْرم بلقيس نقفل راجعين إلى صنعاء وفيها المتحف الوطني لنقرأ تقريراً كتبه أحمد فقعس عن عمل كلفته به الهيئة مع آخرين لتمييز الأعواد الخشبية الصالحة للدراسة من غيرها من الأعواد لتمكين الباحثين من دراستها ولمعرفة ما تتطلبه من تنظيف أو ترميم.
وفي الدراسات يقدم لنا فواد القَشَم بحثاً عن الحفاظ على الآثار الإسلامية وإشكاليات ترميمها وهذا موضوع مهم فما أكثر ما تعانيه هيئة الآثار من " فاعل الخير" الذي يتقدم لترميم مسجد أو منبر خشبي أو قبة أو ضريح أو مصندقات خشبية فيطمسها أو يشوهها أو يزيلها.
وغير بعيدٍ عن الآثار الإسلامية يقابلنا شاهد قبر لأحد الأمراء الحَمْزيين (نسبة للإمام عبدالله بن حمزة) فيتولى صالح الفقيه قراءة محتواه ووصفه أثرياً.
وفي ختام المجلة يتحفنا رياض الفرح كعادته بدليل جديد وهو هذه الكَرّة يقدم لنا دليلاً عن المقالات والأبحاث التاريخية والأثرية التي نشرت على مدى سنوات في مجلة دراسات يمنية و مجلة الإكليل فوضع بين أيدي القراء والدارسين مادة نافعة.
جزى الله خيراً كل من أسهم في إخراج هذا العدد إلى النور ونسأل الله أن يتقبله منا وأن يجعل لنا من أيام أسلافنا عبرة.
عُبَاد بن علي الهَيّال
صنعاء
شعبان ١٤٤٥ ه - فبراير ٢٠٢٤ م
#ريدان
#مجلة
#مجلة_ريدان
#general_organization_of_antiquities_and_museums
#goam
#yemen
#raydan