معالم العصر العثماني الأول في اليمن
[١] - بدأت الدوله العثمانيه في بسط نفوذها في اليمن منذ بداية عهد السلطان سليمان القانوني بن سليم الأول حيث اخذت سفن عثمانيه بالتمركز في مناطق من سواحل تهامه وملاحقة السفن البرتغاليه ( ٩٢٦ - ٩٧٤هـ / ١٥٢٠ - ١٥٦٦م ) كما وصلت قوة تركيه الى الشحر عام ٩٢٦هـ بدعوة من ابي طويرق بدر الكثيري الذي اصبح حاكما لمناطق حضرموت والشحر والمهره وظفار ( ۹۲۷ هـ ) وقد صدت الشحر هجمات برتغاليه عليها ( اعوام ۹۲۷ / ٩۲۹ / ٩٤٢هـ ) .. كما وصلت الى زبيد عام ۹۳۲ هـ قوة عثمانيه وقامت بتولية { اسكندر المملوكي ) على تهامه بينما قام الامام شرف الدين بدور هام في تقويض الدوله الطاهريه فانحصر سلطان الملك عامر بن طاهر في عدن وبعض المناطق وتفككت دولة اليمن .. وفي عام ٩٤٥ هـ قام السلطان سليمان بتوجيه اسطول عثماني يضم ثمانين سفينه وعشرين الف جندي بقيادة سليمان الالباني فدخل عدن في ( ٧ ربيع اول ٩٤٥هـ / ١٣ اغسطس ١٥٣٨ م ) فسيطر على عدن وقام بقتل الملك عامر بن داوود بن طاهر وبذلك بدأ الحكم العثماني لليمن .. واعلن ابو طويرق بدر الكثيري صيرورته نائباً للسلطان العثماني بموجب فرمان سلطاني ( ٢٤ ربيع اول ٩٤٥هـ ) - وقد مكث ابو طويرق حاكماً نائبا للعثمانيين على حضرموت والشحر والمهره وظفار الى عام ٩٧٦هـ ] - كذلك ارسل السلطان سليمان مرسوماً الى الامام شرف الدين ( ٩٤٦هـ / ١٥٣٩م ) فاصبح بمثابة نائب لصنعاء ومخاليفها .. كما اصبح ( يحي النصيري ) نائباً لتعز وجهاتها
[٢] وفي عام ٩٤٧ هـ قام السلطان سليمان بتعيين اول والي عثماني لليمن وهو مصطفى النشار ( ٩٤٧ - ٩٥١هـ ) ثم تلاه ( اویس باشا ٩٥٢ ٩٥٤هـ ) وبدأ في بسط السيادة العثمانية المباشره على مناطق اليمن الداخليه فتوجه الى تعز وسيطر عليها ثم ذمار فمات فيها يونيو ١٥٤٧م فتولى القيادة (( ازدمر باشا )) فتوجه الى صنعاً وحارب المطهر بن شرف الدين فانهزم المطهر الى ثلا ودخل ازدمر صنعاً في ۱۳ ربيع الثانى ٩٥٤هـ ( أو في رجب ٩٥٤هـ / اغسطس ١٥٤٧م ) فاصبحت مدينة صنعاً عاصمة ولاية اليمن العثمانيه كما دخل ازدمر باشا مدينة صعده في ذي القعده ٩٥٤هـ ١٥٤٨م فتوحدت سائر ارجاء اليمن تحت حكم ازدمر باشا وقاد عدة حملات ضد ( الامام ) مطهر في حصن ثلا الى ان دخل المطهر في طاعة الدوله واصبح نائبا على بعض المناطق وقد استمر ازدمر باشا والياً لليمن حتى عام ٩٦٢هـ وباسمه سمى مسجد وحى ازدمر ( الزمر ) بصنعاء
سلاطين الدولة العثمانية في حكمها الاول لليمن
[٣] وقد تعاقب على حكم الدوله العثمانيه الاسلاميه في عصر حكمها الأول لليمن ثمانية سلاطين خلفاء اولهم سليمان القانوني ( ١٥٢٠ - ١٥٦٦م ) وآخرهم السلطان مراد الرابع ( ١٦٢٣ - ١٦٤٠م ) بينما تعاقب على حكم ولاية اليمن في عصرهم نحو ١٥ والياً كان من ابرزهم بعد { ازدمر باشا } الوالي { سنان باشا ٩٧٦ - ٩٧٧هـ } ثم { بيرم باشا ۹۷۷ - ۹۸۳ هـ } وكان ( الامام ) مطهر بن شرف الدين قد عاد الى محاربة السلطة العثمانيه في بعض مناطق مخلاف صنعاء البعيده ومات ۹۸۰ هـ فتولى تلك الحصون الجبليه اولاد المطهر حتى قام الوالى حسن بشا بالقأ القبض عليهم فقام بدعوى الامامة الحسن بن على المؤيد فتم القأ القبض عليهم في جبل الاهنوم عام ۹۹۳هـ ثم قام الوالي حسن باشا بتوجيه اولاد المطهر بن شرف الدين والحسن بن على المؤيد الى القسطنطينيه عام ٩٩٤هـ فاستقرت تلك المناطق
الأعمال العمرانية في صنعاء في العهد العثماني الأول
[٤] - وقد شهدت مدينة صنعاً في ذلك العصر اعمالاً عمرانيه كان منها استحداث حي ( بئر العزب ) بمدينة صنعاً وكان حى بئر العزب يضم اماكن موظفى الدولة العثمانيه .. وفي عهد الباشا مراد ۹۸۳ - ۹۸۹هـ وتم بنأ المدرسه المرادية وملحقاتها ومسجدها في موقع قصر السلاح قصر غمدان باعالي صنعاً .. وفي عام ١٠٠٥ هـ ( ١٥٩٦م ) قام الوالي حسن باشا بعمارة مدرسة ومسجد البكيريه بصنعاً وسميت البكيريه باسم بكير مملوك حسن باشا ، وهي من اجمل المآثر العمرانيه الباقيه من العصر العثماني في مدينة صنعاً
الصراع العثماني مع البرتغال
[٥] وقد تصدت ولاية اليمن العثمانيه للبرتغاليين الذين كانوا يحتلون منطقة مسقط عمان وجزيرة سقطرى ومناطقاً في ساحل شرق افريقيه والهند ويحاولون احتلال مناطقاً في سواحل اليمن على البحر العربي والبحر الاحمر ولكن - كما يذكر المؤرخ البريطاني اريك ماكرو في كتاب اليمن والعالم الغربي - {{ تلقى البرتغاليون عدة ضربات مدمره في مسقط وعلى ساحل شرق افريقيه من الاسطول التركي بقيادة على بك والذي كانت قاعدته مدينة المخا }} .. وكان قد تم صد محاولات برتغاليه لاحتلال الشحر او عدن كان آخرها عام ١٥٤٧م .. {{ وفي عام ١٥٨٦ م تم اعتقال القائد البرتغالي { روكو دى بريتو } وإرساله - اسيراً -الى صنعاً ، وفي نفس العام فشل اسطول برتغالي في محاولة لاحراق مدينة المخا .. وفي فبراير ١٥٩٠ م تم القبض في ساحل منطقة ظفار اليمنيه ( بالقرب من جزيرة كوريا موريا وصلاله ( على ) بيدر وبياز ) و ( انطونيو ) وهما من كبار المبشرين اليسوعيين الاسبان وتم ارسالهما الى صنعاء عن طريق وادى حضرموت وامضيا خمس سنوات ونصف في سجن صنعاء ، .. وكان ذلك آخر نشاط برتغالي في المنطقة حيث مالبث ان انتهى - عام ١٥٧٨م - ما تبقى للبرتغال من سياده بعد هزيمتها في معركة ( الخزر الكبير ) بالمغرب عام ١٥٧٨ م ثم انضوت البرتغال تحت التاج الاسباني عام ١٥٨٠م اما الهولنديون فكانت لهم علاقة جيده باليمن ومارسوا التجاره بالبن اليمني ، ووصل هولنديون الى صنعاً وابرموا اتفاقات تجاريه مع الوالي العثماني ما بين عام ١٦١٦ م وعام ١٦٢٨م وقام احدهم بتأليف كتاب عن اليمن .. كذلك وصلت اول سفينه بريطانيا الى عدن عام ١٦٠٨م وقام نائب عدن بتوجيه ممثل لقائد السفينه الى الوالي بصنعاً والذي لم يوافق على انشأ وكاله بريطانيه في عدن والمخا ... وفي عام ١٦١٠ م قامت سفن بريطانيه باعمال غير مشروعه فتم اعتقال قائدها وارساله الى صنعاً - ص ٢٥ ماكرو ]- ان نجاح العثمانيين في صد المحاولات الاستعمارية الاوروبيه عن اليمن والوطن العربي كان من اهم مآثرهم في عصر الحكم العثماني الأول لليمن
حضرموت في الحكم العثماني الأول
[٦] - كانت ولاية اليمن العثمانيه في عصرها الأول تشمل كل ارجأ اليمن الطبيعيه بما في ذلك اعالى تهامه ومخلافها السليماني ) متصرفية عسير ) وبما في ذلك مخلاف حضرموت الذي كان يشمل المهره ومنطقة ظفار .. وقد شاع في كتب اطلس التاريخ المعاصره ان الحكم العثماني لم يكن يشمل حضرموت والمهره وظفار لان تلك المنطقة كانت تحت حكم السلطان بدر ابي طويرق الكثيري ، والواقع ان { ابا طويرق } كان نائباً للوالى العثماني على منطقة حضرموت والمهره وظفار وكانت توليته بمرسوم عثماني عام ٩٤٥هـ وكان ابو طويرق يبعث {{ رسوماً سنويه على ايرادات ميناً الشحر ومناطق نيابته مقدارها عشرة الاف اشرفى تسلم كل سنه الى مندوب الدوله الذي يصل سنوياً لاستلام الرسوم }} [ ص ۱۲۰ صفحات من تاريخ حضرموت ] وقد مات ابو طويرق عام ٩٧٦هـ - وهو اول من اتخذ مدينة سيئون بمثابة عاصة اداريه ] - وتولى نيابة حضرموت والمهره وظفار بعده ابنه { عبد الله بن بدر الكثيري النهدي الحميري } وقام العثمانيون بارسال قوات تركيه لدعم ابي طويرق هم عبد الله بن بدر ضد البرتغاليين ومات عبد الله بن بدر ( عام ٩٨٥هـ ) فتولى تلك المناطق السلطان { عمر بن بدر ابى طويرق الكثيري } وكان { عبد الرحمن العمودي } معارضاً له فشاركت قوة تركيه في القضاً على حركة العمودي في معركة سجلها الشاعر عبد الصمد باكثير بقصيدة منها :-
والترك لم يتركوا راساً على جسد
ولا بضرب القصيري منهم اقتصروا }}
ومات السلطان عمر بن بدر في الشحر عام ۱۰۲۱ هـ فرثاه الشاعر عبد الصمد باكثير بقصيدة رائعه مطلعها :-
{{ هوى من سما المجد كوكبها القطب
.. ثوى عمر الخيرات أكرم من سعت
فأظلم في اقطارنا الشرق والغرب
الى سوحه تطوى سباسبها النجب }}
ثم تولى نيابة حضرموت والمهره وظفار السلطان عبد الله بن عمر بن بدر ثم استناب اخاه { بدر بن عمر بن بدر } - عام ١٠٢٤ هـ - ويذكر بامطرف انه {{ لما حج السلطان عبد الله بن عمر عام ١٠٤٠هـ واستخلف اخاه بدراً تبادل بدر الرسائل والمكاتبات مع الامام الزيدي ، وكان بدر مناصراً للائمه .. }} (ص ١٥١)
الصراع العثماني مع الإمام القاسم
كان { القاسم بن محمد } قد اعلن نفسه إماماً في جهات حجه وصعده وقاد حرباً }} ضد السلطة العثمانيه واشترك فى اخماد حركته العثمانيون ونوابهم اليمنيون في حجه وكوكبان وصعده ، واستمر القاسم في محاربة السلطة العثمانيه الى ان صالحه الوالي محمد باشا - عام ۱۰۲۸ هـ - فاصبح ( الامام ) القاسم بمثابة نائب للعثمانيين على بعض مناطق مخلاف صنعاً وكان مركزه مدينة شهاره وبها مات ( الامام ) القاسم عام ۱۰۲۹هـ فتولى ما بيده ابنه ( الامام ) المؤيد محمد بن القاسم وقام العثمانيون باقرار الصلح معه فكان بمثابة نائب لهم الى ايام ولاية حيدر باشا لليمن ۱۰۳۳ - ۱۰۳۸هـ ووقع الخلاف بين حيدر باشا ومحمد بن القاسم عام ١٠٣٦ هجريه فاندلعت الحروب بينهما ، كما ثار { احمد بن سعفل صاحب يافع } في مناطق لحج وعدن عام ١٠٤٠ هـ وسيطر { الحسن بن القاسم } على مناطق اب وتعز ، بينما سيطر اخوه { الحسين بن القاسم } على صنعاً .. وتتابعت الحروب الى ان انسحب العثمانيون من تهامة اليمن فانتهى الحكم العثماني الاول لليمن وذلك عام ١٠٤٥هـ ( ١٦٣٥م )
(( والله الموفق ))
بقلم :- زيد محمد حسين الفرح