الوعل في حضرموت القديمة دراسة جديدة
اغارر للمعلومات التاريخية والنقوش المسندية اليمنية  اغارر للمعلومات التاريخية والنقوش المسندية اليمنية

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الوعل في حضرموت القديمة دراسة جديدة

 

الوعل في الحضارة اليمنية





الوعل في حضرموت القديمة دراسة جديدة 



رياض باكرموم(*)


مقدمة

ظاهرة صيد الحيوانات ومنها الوعل سوى للأكل أو للتسلية كان نمط معروفا في بلدان الشرق الأدنى القديم كاملة، ولم يكن مقتصرا على حضرموت، وجنوب الجزيرة العربية فقط، فهناك بعض الدراسات المقدمة بهذا الشأن تلقي الضوء على الصيد في فترة ما قبل الإسلام منها دراسات الأردني فواز الخريشا(الخريشة 2007)، ودراسات خان فيما يخص الرسومات الصخرية القديمة في الجزيرة العربية (Khan 2013)، على سبيل المثال لا الحصر كنموذج للدراسات العلمية في هذا الشأن.


كما نال الوعل نصيب الاسد في التصوير والزخرفة كرمز ديني مهم في أغلب ممالك جنوب الجزيرة العربية، وبوضعيات مختلفة وبمواد مختلفة، وكزخارف على واجهات المعابد، كما تم تجسيد الوعل ونحته بصور بارعة غاية في الجمال (انظر Avanzini 2005)، وتشتهر إجمالا منطقة جنوب الجزيرة العربية بأفاريز ومنحوتات حيوان الوعل في الأبينة من أشهرها معابد سبأ ومعين مثل معبد أوام (محرم بلقيس) بمأرب، بالإضافة إلى العديد من اللوائح الرخامية الجميلة.


الوعل في حضرموت 



حضرموت موطن قديم للوعل حيث تعد وديان وهضاب حضرموت أحد المواطن الأصلية لها في جنوب الجزيرة العربية (باخشوين 2002: 314)، ومناطق حضرموت من آخر الملاجئ للوعل في جنوب الجزيرة العربية حالياً (باسلامة 2010: 130)، وللوعل حضورا ثقافيا قويا في حضرموت قديماً، وحديثاً.

يسمى الذكر وَعل، (جمع: وُعُول)، والأنثى صَيده (جمع: صيد)، والغزال يسمى ظبي (جمع: ظباء) وأنثاه ظبية، وللوعل ألقاب منها: المربعي، والغفر (طلي) والناخس وغيرها (بن عقيل 2004).

 يهتم الحضارم كثير لرأس الوعل وبالذات قرني الوعل ويسمونها القَشعَة ويعتبر أهم جزء في الوعل قديماً وحديثاً، فاغلب الزينة والزخارف كانت لرؤوس الوعول وللقرون بشكل خاص وقد لا يهتم كثيرا في تمثيل بقية الجسم (Avanzini 2005: 144)، ويتفادى التصويب على الرأس عند القنص حتى لا يخسر القانص القشعة، ويعتبر الوعل مكسور القرن أو فاقد إحدى قرنيه وعلا ناقصا وصيدا منقوص على عكس الوعل ذو القرنين سليم الرأس، أما العَجرة: فهي حلقات القرون أو النتوء الزائد من القرن على شكل تسلسل من أسفل إلى إلى الأعلى وهو ما يمييز قرن الوعل العربي أو النوبي عن بقية نظرائه، وتعد العجر مقياسا للسن، فيعتبر الوعل كبير اذا كان عدد حلقات القرن اكثر من عشر حلقات (عجر) وما فوق في كل قرن ويسمى (حامل عشرين)، وكلما كان الوعل أكبر سناً وكبير القرون كان ذو أهمية ومكانة أكبر عند الصيادين ومصدر فخر واعتزاز كبيرين، والأمر أيضا يشمل إناث الوعل (الصيده) فيذكر رودينوف أنه في عام 1988 صاد أهالي قعوضة بوادي حضرموت إنثى وعل تحول 64 وكان الحدث حينها كبيرا وصل حتى للصحافة المحلية آنذاك (Rodionov 1994: 124)، وحٌقّ لهم ذلك، فهذا شي عجيب ونادر جداً. 




يمثل الوعل في حضرموت القديمة المعبود الرسمي والقومي لمملكة حضرموت (س ي ن) إله القمر، الذي انتشرت معابده على طول مناطق المملكة الحضرمية، في العاصمة شبوة وريبون وحريضة وقنا وغيرها، وحمل القابا متعددة (للمزيد أنظر باكرموم 2014: 196)، ونحت ورسم الوعل في حضرموت القديمة بأشكال متنوعة وبمواد مختلفة سنتعرضها من خلال هذا البحث. 


الأدلة الأثرية على الوعل في حضرموت القديمة

تعود أقدم الادلة الأثرية على صيد الوعل في حضرموت إلى الرسومات الصخرية القديمة، حيث شكّل صيد الوعل الغالب في الحيوانات المرسومة بالاضافة الى الثور والمها العربي (Maraqten 2015: 209)، وتعد حصاة البرقا() (صورة 1) الواقعة بين قريتي فضح الشرقي وقبضين بوادي الكسر بحضرموت من أروع النماذج المسجلة لطقوس صيد الوعل في حضرموت القديمة (بن عقيل 2004: 45)، شكل 5-3، وتوثق هذه الرسومات في هذه الصخرة لصيد الوعل قديماً وأيضا لعدة طرق وتقنيات استخدمها الحضارم قديما لصيد الوعل منها تقينة الصيد بالشباك، وباستخدام الحيوانات مثل الكلاب، والجمال، والخيول، أو حتى باستخدام الحبال والعصي الطويلة (بن عقيل 2004- العيدوس 2021)، وبهذه الحصاه أيضاً نقوش عربية جنوبية تؤرخ إلى بداية الميلاد تدعو إلى حماية الصيد ().



 كما تظهر مشاهد لصيد الوعل في صخرة باصلاح توثق لمجموعة كبيرة من صيادين يطاردوا وعول (العيدوس 2021: 284)، ورسومات منتشرة أخرى في اودية حضرموت وهضابها للوعل (بيتروفسكي 1986: 44).




استطاع الباحث رصد مشاهد مرسومة للوعل باللون الأحمر من كهف مرآه بوادي دوعن، تظهر رسم لصيد وعل باستخدام القوس، ويظهر حجم قرون الوعل كبيرة ومبالغ فيها (صورة 2)، وإلى جانب الرسمة رسم لشخص يحمل سلاح أبيض ربما جنبية أو سيف، وإن صح ربط الرسمتين معا فهذا يذكرنا باستخدام الجنابي في الهجوم على الوعل الواقع في شباك الكمين، كما يظهر إلى جانبها أيضاً رسم لوعل في وضعية الركض.




 كما يظهر الوعل بصور جميلة في رسومات بطريقة الحزّ من وادي عدم()، ورسوم أخرى من مناطق مختلفة من هضبة حضرموت، في دلالة واضحة على أهمية هذا لحيوان عند الانسان الحضرمي في العصور القديمة وربما حتى تلك التي سبقت الحضارة في الألف الأول قبل الميلاد. 


أما عصور حضارة حضرموت، وبعد تشكل مملكتها في الألفية الاولى قبل الميلاد، فقد ظهر الوعل بصور متعددة وكثيرة منها ماهي مرسومة أو منحوتة أو على شكل أواني وحتى أسرجة جميلة باهية (صورة 3)، بالإضافة إلى ظهور الوعل في زخرفة المباني حيث زينت رؤوس الوعل القصر الملكي الحضرمي (ش ق ر) بالعاصمة شبوة، كما تم تجسيد الوعل بالنحت على الحجر بشكل كامل أو جزئي ونحت بشكل بارز في اطارات النقوش الكتابية وعثر على نماذج كثيرة من مناطق مختلفة من حضرموت مثل ريبون وجوجه ومشغة (باعليان 2021: 198).


تعد منحوتة الوعل رقم (MM 219) بقاعة المعبد بمتحف المكلا (صورة 4)، والتي عُثر عليها في معبد (سين ذو مذاب) بحريضة بوادي حضرموت، واحدة من اكبر النماذج المنحوتة للوعل في حضرموت القديمة مكتشفة حتى اللحظة، حيث تم نحت وتجسيد للوعل بحجم (103*20*53) وتشكيل لجسد وعل مكتمل ضخم القرون، رأسه مفقود، ويعتقد سيدوف أن كان نصب تذكاري قدم للمعبود القومي سين كما هو منحوت اسم سين في النتوء أعلاه (Sedov 2005: 126)، ومن متحف المكلا أيضا نجد نماذج أخرى للوعل منها نحت للوعل في عمود من حصن العُر بوادي حضرموت، يتخلله تشيكلة جميلة من النباتات والحيوانات والإنسان، ونحت لصيده في حجر صغير من ريدة الجوهيين، واجزاء من أفارزير لمصفوفة وعول باللون الأسود وغيرها.


تمثل القطع الفخارية التي عثر عليها في ريبون أسفل وادي دوعن رقم (SM 2531) من متحف سئيون بحضرموت (صورة 5) شاهدا اثرية فريدا في رسم مجموعة من الوعول باللون الأسود على الفخار الملون إلى جانب أحرف بخط المسند، ودليل أثري على إهتمام الحضارم بالوعل منذ فترة ما قبل الألفية الأولى قبل الميلاد. 

تعد لوحة الصيد الفريدة المنحوتة على لوحة من الحجر الجيري (العيدورس 2010)، (باسلامة 2010: 142)، من موقع الغرف لكلبين يهاجمان وعل وقد كتب اسمي الكلبين (باعليان 2021: 213) بمتحف سيئون من النماذج الجمالية لتوثيق صيد الوعل باستخدام كلاب الصيد عند الحضارم قديما. ومن ميناء قناء، ميناء مملكة حضرموت الرسمي، عُثر على إطار مزين بروؤس وعول لجزء من مذبح (أكوبيان وآخرون 1987: 45).


الأدلة الكتابية من النقوش الحضرمية القديمة

جاء ذكر الوعل في كثير من نقوش جنوب الجزيرة العربية، وهنا نذكر النقوش الأثرية التي تذكر الوعل في حضرموت القديمة فقط، ومن أهمها: 


نقش Ingrams 1 

الذي عثر عليه المستشار البريطاني بحضرموت آنذاك هارلد انجرامس في عقبة فتورة التي تربط الجول بوادي عرماء بشبوة (باعليان2021: 196)، ويذكر النقش ملك حضرموت يدع أيل بين بن رب شمس إنه كان في رحلة صيد برفقة الأعوان والأتباع ومئتان كلب، وأنه صاد مجموعة من الحيوانات من ضمنها ذكر صيده لعدد 600 وعل.


نقش Ja 949/ RES 4912

أحد نصوص العُقلة، وهي منطقة معروفة بالنقوش الملكية الحضرمية، وفيها يتم تنصيب الملك وتوزيع الألقاب (للمزيد أنظر بافقية 1967)، يذكر هذا النقش ملك حضرموت يدع أيل بين الذي أعاد بناء العاصمة شبوة وقصرها الملكي (ش ق ر)، وذكر أنه صاد وذبح ما تعداده التالي: 35 من البقر الوحشي، و82 مها عربية، 25 ظبي، و 8 فهود، بقعلة أنودم. 


نقش Abadan 1

نقش عبدان الكبير والمكون من 44 سطر، كتبه الأقيال اليزنيون من بني ملشان في شبوة عام 470 حميرية (355 ميلادية)، يذكر إنهم صادوا أعداد كبيرة من الوعول، وذكروا أنهم صادوا بأرض حجر، وسيبان (باكرموم 2015: 11). 



الصيد الشعائري المقدس للوعل



 رغم ذكر الصيد الشعائري صراحة في نقوش سبأ، فنقوش من منطقة يلا بخولان تذكر ملوك من العهد السبيئ المبكر قاموا بالصيد، وتذكر بعض النقوش السبيئة تقديم الوعل كقرابين للألهة الشمس وعتثر، ويتم إقامة شعائر طقس الصيد المقدس للالهة عثتر بشكل موسمي منذ بداية العهد السبئي يتزعمه المكرب أو الملك (باسلامة 2010: 130 127)، وصيد عتثر وكروم، حيث ترد الصيغة بشكل متفاوت في النقوش السبيئة ما بين الجمع بينهما (يوم صاد صيد عتثر وكروم) أو ذكر أحدهما فقط (طعيمان 2014)، المعبود الأبرز في بعض مناطق الجزيرة العربية المختص بالمطر، وكروم كان معبود يختص بالصيد في سبأ (Maraqten 2015: 222)، إلا أن حضرموت موطن الوعول، ومهد وإستمرار طقوس صيدها لأكثر من ألفين عام، لم تذكر نقوشها المكتشفة حتى الآن أية صيد مقدس، أو تنسب الصيد لإله معين (باعليان 2021: 195)، والنقوش القليلة المذكورة هي فقط للملك يدع أيل بين بن ربشمس من أحرار يهبر، وهو ما يضع تسألاً حول نية وغرض وتمييز هذا الملك دون غيره من الملك الحضارم الذين سبقوه، الذين لا شك أنهم صادوا الوعول، ولم يعمدوا إلى توثيق ذلك كون الأمر طبيعي، واعتيادي ولا يحتاج إلى تدوين، وأنه أراد بتدوينه للصيد أن يثبت أنه يتبع التقليد الحضرمي المتوارث وأنه وريث شرعي للحكم (للمزيد أنظر أكرام 2011)، والجدير بالذكر أن نقشا يثع أمر (Y.85Y/1) السبئي (باسلامة 2010: 135) ونقش يدع إيل الحضرمي يتشابهان في كونهما يذكران إقامة إعمال عمرانية بعد العودة من رحلة صيد.


 

تقنية صيد الوعول في حضرموت  



الصيد بالكمين والشباك 

يتم صيد الوعول في جنوب الجزير العربية قديما بعدة طرق منها تقنية الكمائن والفخاخ (Maraqten 2015، طعيمان 2014)، كما يتم صيد الوعل بالشباك كما جاء في رسومات حصاة البرقة الأثرية، وهي تقنية لا تزال مستخدمة في حضرموت إلى عهد قريب، حيث رصد رودينوف استخدام الحضارم لتقنية صيد الوعول بالأشباك في وادي حضرموت Rodionov) 1994: 124)، وتعمد هذه الطريقة إلى استدراج الوعول إلى فخ الشبك حتى يقع فيه ويباشر بالطعن بالجنبية.


الصيد بالأسلحة وأدوات الصيد

ويتم الصيد بالطريقة التقليدية باستخدام الأدوات، وتختلف باختلاف الحقب والأزمان، حيث كانت في البداية الادوات الحجرية، ولدينا أمثلة عليها من حضرموت بمتحفي المكلا وسئيون، ومن ثم استخدمت الادوات الحديدية، من النصال والجنابي، وتعد شواهد قبور المحاربي بمتحف المكلا دليل أثري على استخدام الانسان الحضرمي للسلاح الأبيض منذ العصور البرونزية، وتستخدم أيضا في الصيد الرماح كما ظهرت في مشاهد الصيد من حصاه البرقه، بالإضافة إلى القوس والسهم ورصد الباحث مشاهد لصيد الوعل بهذه التقنية من كهف مرآه بوادي دوعن، واستخدام السيف والترس الذي ظهر في رسومات حصن العر وللمزيد حول ادوات الصيد (أنظر باعليان 2021)، وتطورت ادوات صيد الوعول في حضرموت على مر الأزمان، حتى وصلت إلى استخدام البندقية اليوم وفيها باب واسع من الأشعار يستحق دراسة انتغرافية منفصلة. 


الصيد باستخدام الحيوانات 

أظهرت الرسومات والنقوش القديمة من منطقة حضرموت استخدام الحيوانات للصيد ومنها استخدام الكلاب، والجمال والخيول، حيث يذكر نقش انجرامس استخدام الملك الحضرمي يدع ايل بين لعدد 200 كلب في رحلة صيده كما جاء في النقش، وفي نقش عبدان الكبير يذكر 500 كلب، وتظهر منحوتة من موقع الغرف لكلبين يهاجمان وعل وقد كتب اسمي الكلبين (باعليان 2021: 213)، كما أظهرت رسومات حصاة البرقه استخدام الجمل عند صيد الوعول، والخيول كما تظهر في موقع المحترقة (العيدوس 2021).


 استمرارية الموروث في حضرموت حتى اليوم

لا زالت إلى اليوم طقوس قناصة الوعل تمارس في حضرموت، ولا زالت بيوت حضرموت تتزين بقرون الوعول وتعلق على الاسطح()، وخلال كتابتي لهذا المبحث هناك إحتفال كبير (الزف) يجري على قدم وساق في منطقة اللسك بتريم، بمناسبة رحلة صيد وعول ناجحة بتاريخ الجمعة 28 يناير 2022 (صورة 7).


يكون صيد الوعول أو القَنِيص() عادة بفصل الشتاء يبدا بتاريخ الاول من أكتوبر، ويعتقد البعض أن السبب في اختيار هذا التوقيت هو نزول الوعول من أعالي الجبال شديدة البرودة إلى بطون الأودية بحثاً عن الدفء، وأيضا يكون موسم التزاوج، استطاع عدد من الباحثين من رصد وتوثيق عادة القنيص بحضرموت المعاصرة، ومنهم المستشار البريطاني هارلد انجرامس (1897-1973) في رصده لاحتفالات القنيص بدمون تريم بوادي حضرموت (Ingrams 1937)، والمستشرق البريطاني سيرجينت (1915-1993) في كتابه حول صيد الوعل بحضرموت (Serjeant 1976)، وعالم الأثنوغراف الروسي ميخائيل رودينوف برصده لطقوس صيد الوعل في عدة مناطق حضرموت وعلى مدى سنوات امتدت ما بين 1987 إلى 1990، رصد فيها طقوس القنيص في مناطق مدودة، تاربة الغرف، دمون، وقعوضة في وادي حضرموت(Rodionov 1994)، ونشر بعضها في كتابة عادات حضرموت الغربية، وتؤكد جميع هذا الدراسات على استمرارية لطقوس قديمة من مملكة حضرموت ما سبقها لا زالت حاضرة في حضرموت اليوم لأكثر من ألفي عام. 


ذكر رودينوف أن القنيص حينها عادة يستمر لمدة ستة أيام من السبت إلى الخميس() يعقب القنيص الناجح احتفالات لمدة يومين أو أكثر، تبدأ من الثامنة صباحاً وحتى الحادية عشر ظهراً، ومن ثم تستأنف في الثالثة عصراً من كل يوم، ويشارك فيه المئات، وتتخللها الرقصات بالطبول والمزامير، والشبواني، والمرزحة، والزوامل التي تعلو فيها رؤوس الوعول، بعدها يطاف بالموكب في عدد من أضرحة الأولياء والصالحين، وتحظى هذه الاحتفالات بإقبال جماهيري كبير من القرى والمدن المجاورة ويقتض المكان بالمشاهدين حتى في اسطح المنازل والمساجد (Rodionov 1994: 126). ولا زالت نفس هذه الطقوس تمارس في حضرموت اليوم 2022. 


أذكر من خلال حضوري لاحتفالات العودة من القنيص في مناطق دوعن، أنه في الصباح الباكر عند عودة الصيادين من رحلة الصيد، أنه يباشرون ويطلقون أعيرة نارية باتجاه قريتنا، فيهب الأهالي بالرد عليهم بأعيرة نارية ممثالة إيذانا بتلقي البشرى، وكلما كان إطلاق النار كثيفا كانت دلالة ذلك صيد وفير، والعكس، بعدها يتم استقبالهم وتخصيص موقع معين عادة في مكان متسع، يتم فيه تناول وجبة الغذاء، ومن ثم يتم عمل الزامل (جمع: زوامل) في عصر اليوم يتجه فيه الناس حاملين رؤوس الوعول وجلودها (بعد أن تجفف على أعواد) في موكب باتجاه بيت مقدم القنيص، يختللها إلقاء أبيات شعرية مدحا في الصيادين، وفي مساء اليوم يتم إقامة جلسة سمر دان في بيت مقدم القنيص، ويشهد الحدث إقبال جماهيري من البلدات والقرى، ويكون حدثا مهما لعدة أيام، ولدي توثيق صور وفديو لبعض من هذه المظاهر.  


الجدير بالذكر أن احتفالات القنيص تشمل الرقص بقرون الوعل في محاكاة لحركة الوعل نفسه أثناء حياته، توضع أعلى الرأس تماما كما شاهدها انجرامس ووثقها في دمون بتريم Ingrams 1937)، ويذكر(بن عقيل 2004) أن هناك رسما لراس انسان بقرون وعل من حصن العر، كما يرد في الرسوم الصخرية من موقع جوجة رسما لجسد إنسان ورأس حيوان له زائدتان (العيدروس 2021: 197) شكل 176، ويمكن أن يكون ذلك توثيقا لطقس الرقص بقرون الوعل لا زال مستمرا لأكثر من ألفي عام.


الوعل بحضرموت عثتر أم سين!

يحتل المعبود (عثتر) مكانة سيادية في جميع ممالك جنوب الجزيرة العربية، وحضرموت لم تكن إستثناءً، وفي حضرموت لعتثر لفظتين هما: عثتر و(ع س3ت ر) بالسين الثالثة (Sedov 2005)، ويعتقد البعض أن هو الاله الواحد الذي حل محل إيل (باخشوين 2002)، كما أن ميجرنت والارياني ويربطانه بالمطر، وعبدالحليم سيد يقول أنه يرمز للقمر السبيئين ويطلقوا لقب المقه اله القمر سيد الاوعال ، وتترد عبارة (المقه بعل اوعل صروح) يتردد كثير في النقوش السبيئة (باسلامة 2010: 131)، (طعيمان 2014). وترى باخشوين أن الوعل ليس عثتر معللة رائها بالقول أن عثتر إله عام مشترك لا دليل نقشي على تصوير عثتر في صورة حيوانية! (باخشوين 2002: 315).


تجدر الاشارة إلى أن الثعبان رمز للقمر ويشترك مع الوعل في معبد واحد (باخشوين 2002: 513)، كما استطاع الباحث رصد رسم للثعبان جنبا إلى جنب مع رسومات الوعول في رسومات كهف مراه بوادي دوعن.


المعبود سين في حضرموت مرتبط ارتباط وثيق بالمعبود حول كما يعتقد سيدوف ولوندين (Sedov 2005)، وحول عند الحضارمة يرتبط ارتباط كبير بالمطر والرعد (للمزيد أنظر باكرموم 2018)، كما أن الوعل مرتبط بالعلو والسمو وحب المرتفعات، كما يشكل شكل قرنه الهلال في أعالى الجبال وحتى عند كبر القرن فانه ينحني ويشكل شكل دائرة مثل اكمال البدر، في تشابه كبير مع القمر.

لعل هذه القرائين مع ثبوت تمثيل الوعل للمعبود سين في حضرموت يدعونا إلى إطلاق مسمى سين على الوعل في جنوب الجزيرة العربية، أو على أقدر تقدير في منطقة حضرموت وعند الحضارمة.


المصادر والمراجع 


اكرام، نجوى 2011 الصيد الشعائري في جنوبي غرب شبه الجزيرة العربية، حوليات آداب عين شمس، العدد 39، ص 253-285. 

أكوبيان وآخرون 1987 التنقيبات الأثرية في ميناء قنا القديم، نتائج اعمال البعثة الروسية 1987، الجزء الاول. 

باخشوين، فاطمة علي سعيد.2002 الحياة الدينية في ممالك معين وقتبان وحضرموت، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية.

باسلامة، 2010 صيد الوعل في الحضارة اليمنية القديمة، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية صنعاء، المجلد 33، لعدد 1 ص: 127-156

بافقية، محمد عبدالقادر1967 آثار ونقوش العقلة، القاهرة: مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر.

باعليان، محمد 2021، اسلحة صيد الوعل ووسائله في حضرموت في ضوء المعطيات الأثرية والنقشية، مجلة العلوم الانسانية والاجتماعية، عدد 6، ص: 189-227. 

باكرموم، رياض

 2014 نقوش عربية جنوبية قديمة من اليمن، رسالة ماجستير غير منشورة من جامعة 

اليرموك، الأردن.

2015 سيبان في النقوش العربية الجنوبية القديمة، مجلة أنباء كلية الآثار والانثروبولوجيا جامعة اليرموك، ع 35، ص: 9-14. 

2018 حول في الموروث الشعبي الحضرمي، مجلة عندل، مكتب وزارة الثقافة وادي وصحراء حضرموت، العدد: 5، ص: 20-21.

بن عقيل، عبدالرحمن جعفر2004 صيد الوعول في حضرموت، صنعاء: صنعاء عاصمة الثقافة العربية.

بيتروفسكي، ميخائيل 1986 دراسات النقوش الصخرية في اسفل وادي دوعن، نتائج أعمال البعثة الروسية 1986.

الخريشة، فواز 2007 الصيد عن العرب الصفائيين قبل الاسلام، مجلة النقوش والرسوم الصخرية، 9-28، عمّان، الأردن.

طعيمان، علي بن مبارك 2014 صيد الوعول نشاط مقدس في ديانة جنوب الجزيرة العربية (قديماً)، مجلة جمعيةالتاريخ والآثار بدول مجلس التعاون الخليجي، العدد 15، ص 141-175.

العيدورس، حسين

2010 الرسوم والنقوش الصخرية في وادي حضرموت الألف الثاني قبل الميلاد-الألف الأول الميلادي: دراسة أثرية تاريخية، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة صنعاء. 

2021 الرسوم الآدمية الصخرية في اليمن القديم، المعهد الأمريكي للدراسات اليمنية، صنعاء. 

Avanzini, Alessandra. 2005 Some thoughts on ibex on plinths in early South Arabian art, AAE pp: 144-153.

Khan, M 2013 Rock Art of Saudi Arabia, In Arts (Vol. 2, No 4. pp 447-475.

Rodionov, Mikhail A. 1994 The Ibex hunt ceremony in Hadramawt today, New Arabian Studies 2, 123-129 

Sedov, A. V. 2005 Temples of Ancient Hadramawt, Arabia Antica 3, Pisa: Plus-Pisa University Press.

Serjeant, R. B. 1976 South Arabia Hunt, Luzac & company Ltd, London.

Maraqten, Mohammed 2015 Hunting in pre-Islamic Arabia in light of the epigraphic evidence, AAE Vol. 26, pp 208-234

Ingrams, W. H. 1937 A Dance of the Ibex Hunters in the Hadhramaut. Is It a Pagan Survival? Man, Vol. 37 (Jan., 1937), pp. 12-13.


*رياض باكرموم، أخصائي آثار، مدير عام الهيئة العامة للآثار والمتاحف حضرموت المكلا.

عن الكاتب

رياض الفرح باحث في تاريخ اليمن القديم مهتم بالآثار والنقوش المسندية متابع لتكنولوجيا الاتصالات وتطبيقات الجوال

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

اغارر للمعلومات التاريخية والنقوش المسندية اليمنية