المعاهر والاجراس في قصور اليمن القديم
اجراس ومفردها جرس و نَواقِيس ومفردها نَاقُوس أطلق عليها في اليمن القديم اسم معاهر والنواقيس
( الاجراس) هي أحد أقدم الآلات الإيقاعيّة التي انتشرت في اليمن القديم وأنحاء آسيا، والشرق الأوسط، وأوروبا وبقية العالم، وكانت تستخدم الأجراس ومازالت لصوتها القوي الذي بإمكانه أن يصل إلى مسافات بعيدة كوسيلة للاتصال أو كآلة موسيقيّة وغير ذلك, وكان الاعتقاد ان بدأ تاريخ الأجراس في الصين حتى انتشر ملاقياً شعبية كبيرة في الأماكن المحيطة بالصين، ولكن الشواهد الاثرية (النقوش) اثبتت بانها كانت معروفة في اليمن القديم ايضا، وربما كان للمعاهر مدلولات اخرى وان استخدامه في ظفار خبان عاصمة مملكة حمير قبل الاسلام، يرمز للقوة، حتى اتصل بشدة لاحقاً بالأديان، خاصّة في المسيحية والبوذية والهندوسيّة، وذلك تعبيراً احتفالياً في المعابد والكنائس و غالباً ما تصنع الأجراس المعدنية من البرونز وهو خليط من النحاس والقصدير، حيث إنّه مقاوم للتأكسد والتجوية وتشكل الصدأ، كما أنّه يميّزها بقدرته على الحفاظ على الرنين عند ضربه واهتزازه لإنتاج الأصوات. وقد يكون لاستخدام تلك التقنية الحميرية القديمة، الدور الاساسي الذي على غراره تطورت واصبحت تستخدم اليوم بشكل اكثر تطورا في معظم بلدان العالم الحديث ، وقد يعود الفضل في ابتكار تلك الالة للإنسان القديم في الجزيرة العربية ككل، وقد أصبحت حاليا تقنية حديثة متعددة الوظائف ولكن الفكرة الاساسية التي كانت في ظفار حمير ما زالت مستمرة حتى الان، ولم تعد محصورة في القصور وحسب بل اصبحت وسيلة في معظم المساكن الحديثة، وعلى سبيل المثال حاليا يعتمد عليها في معظم البلدان للإنذار بحركة الباب للفتح والإغلاق تصدر منها أصوات تنبه صاحب المكان او المسكن، بحركة عند الباب اكان بفتحة او إغلاقه، ايضا هي مماثلة لوظيفة أجراس المنازل في وقتنا الحاضر، فهذه الخواص الفنية لا تخص قصر بذاته، بل هناك شواهد أثرية تؤكد خاصية التزيين في عامة القصور القديمة منها ما أكدتها الشواهد الأثرية والنقوش مثل أجراس قصر (هرجب) في ظفار عاصمه مملكة حمير
الاجراس في القصور اليمنيه عند الهمداني
يذكر الهمداني عن" المعاهر" (أجراس ) القصور في اليمن التي كانت ضمن وسائل الاتصالات والزينة قبل الاسلام، قائلا: "كان قصر ريدان وغمدان يضمان معاهر "أجراس" توضع على بوابة القصر، وكذلك مزودة بمصابيح الإضاءة،" واللهج "النوافذ" منها في قصر غمدان كانت نوافذه مصنوعة من الرخام بإطار خشبي من الساج والأبنوس، وأبواب فيها الحديد، واستخدمت الاسطوانات والأعمدة الكبيرة التي لها تيجان مرمرية ومصقولة ومهندمة بشكل متقن كما في ناعط
ويضيف الهمداني عن تلك المعاهر (الأجراس)، التي كانت معلقة في ستور القصور التي كانت تزينها وتصدر أصوات بهبوب الرياح، والبعض منها كانت معلقة بالتماثيل كما في قصر غمدان وظفار، كما تعلق في بوابات القصور- يقول الهمداني : "كان للباب معاهر وهي الأجراس تسمع أصواتها من مكان بعيد إذا فتحت وغلقت الأبواب
القصور في ظفار عاصمة مملكة حمير
وعن قصور ظفار عاصمة حمير قبل الاسلام، يفهم من كلام الهمداني على لسان ابو نصر عن وصفه للقصر الملكي ريدان في ظفار واسواره وبواباته مثل : باب الحقل-وهو الاقرب لذي ريدان - لا يتم الوصول للقصر الا من خلاله ، ومن ثم يلي ذلك الباب الثالث وهو اكثر قربا من ذي قبل الى القصر، حيث يبعد عنها بمسافة ميل من القصر ، ويلي الباب الثالث الباب وهو الذي يقع في السور ( المدخل ) الرئيسي لمباني قصور الملك وسكنه ويذكر الهمداني :هذا الباب الذي على السور أنه يفتح ويغلق من الحراس ، وكان له معاهر ( اجراس) ، اذا فتح الباب واغلق اصدرت اصوات الاجراس وسمعت أصواتها من مكان بعيد ، وهو الباب الذي يكون منه الأذن على الملك ، بينه وبينها على قدر ميل وكان دون ذلك الباب واهزان بينه وبينها باب عليِ( عالي ورفيع) ، كانت تسكت الاجراس الناس إعظاما للأذن ، وكان بين كاتب الأذن الى القصر الملكي سلسلة من ذهب يحركها واهزان الأذن، اذا اقدم عليهما شريف من اشراف الناس يريد الملك ، فيكتب الواهز ( الحارس) الى واهز القصر فيقع ذلك الى الملك، وكانت السلسلة تمتد من الباب الرئيسي في السور وحتى الباب العلي -( الارفع من الباب على السور)- الخاص بقصر الملك ومسكنه، وقد جاء في النقوش المسندية تأكيدا علميا لما ذكر الهمداني عن ابو نصر لأجراس قصور ظفار، حيث جاء في النقش (ZM-1)،
والذي تم العثور علية في مداميك القصر الملكي هرجب في جبل ريدان والمعروف عند غالبية الباحثين قصر ريدان ويضمن هذه الكتابة المسندية حسب الاتي
نقش قصر هرجب الملكي الحميري في ظفار
المفهوم العام للنقش:
شرحبيل يعفر ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنة وأعرابهم في المرتفعات وتهامة بنو أبى كرب اسعد ملك سبأ وذريدان وحضرموت ويمنة واعرابهم في المرتفعات وتهامة شيدوا وأسسوا وزينوا ورمموا قصرهم (هرجب) من أساسه إلى أعلاه وأعادوه مسكناً غير مسكنهم القديم، وأقاموا لحمايته سقفاً عالياً من احجار مصقولة واحجار مربوعة اي موقصة بنمط التربيع ونوافذ تفتح وتغلق من الخشب والرخام وأحاطوه بإفريز ووضعوا له ميازيب منحوتة على هيئة رؤوس ثيران وضباء واسود، وأجراس من الذهب والنحاس، وضعت بين تماثيل الثيران المنحوتة و تجميل وتزيين المسود(قاعة الاستقبال والضيوف) ونصبوا وثبتوا له الأعمدة الحجرية المنحوتة في وسط الجزء المسقوف المظلل (رواق يضم المسود والقاعات وغرف أخرى)، ومن الخارج فوضعوا تماثيل من الأوعال والأسود والنمور المصنوعة من الذهب والنحاس إلى أخر النقش...وذلك بتاريخ شهر علان سنة(572) بالتقويم الحميري الذي يقابله (457)بالتاريخ الميلادي
وصف قصر هرجب الملكي
على كل حال يستفاد من النقش المذكور أعلاه ما يلي:
ان القصر المسمى (هرجب) قد قام بترميمه وإعادة بنائه من جديد الملك الحميري شرحبيل يعفر عام (457م) أي بعد حوالي مائة عام من بنائه حيث بني هذا القصر في منتصف القرن الرابع الميلادي ومكوناته المعمارية التي وردت في النقش "مسود" (ديوان أو قاعة أو صالة للضيوف والاستقبال)، وهو عنصر رئيسي في القصر الملكي ،ربما لا يقل مكانة عن غيره من القصور، أيضاً يضم أعمدة حجرية منحوتة نصبت في منطقة الوسط لكي تحمل عقود سقف الظلة، ويفهم من النقش بأن المسود كان يفتح إلى داخل الفناء "الصرح" بشكل كامل على عكس الجدران الخارجية المغلقة من الخارج تماماً إذا ما استثنينا بعض النوافذ الزخرفية، أي على غرار قصر شقير الواقع بمدينة شبوة حضرموت ، كما يفيد النقش أيضاً بأن القصر كان يشمل على زخارف حيوانية تزين القصر (هرجب) من الخارج وتحديداً في الأعلى قوامها تماثيل لحيوان الوعل وأسود(اللبوات) وتكمن أهمية هذه الزخارف في كونها تؤكد ما ذكره الهمداني في الإكليل الجزء الثامن الذي يتحدث بأن قصر غمدان كان يضم زخارف معمارية كثيرة منها تماثيل الأوعال والأسود التي كانت توضع في أركان القصر من الخارج ، كما أن هذا النمط ألزخرفي لم يقتصر على هذا القصر وحسب بل نجده في قصور أخرى منها قصر يرس الذي يرد ذكره في النقش (فخري 74) ويتحدث عن تزيين القصر بواسطة اسود مصنوعة من البرونز
ومن ناحية أخرى يذكر النقش بأن القصر هرجب كان يضم معاهر وهي أجراس ورد ذكرها في هذا النقش يؤكد لما ذكر عند الهمداني في الإكليل وتحديداً في سياق حديثه عن معاهر قصر ظفار قائلاً وكان للباب معاهر وهي الأجراس يسمع لها صوت عند فتح الأبواب أو إغلاقها . وبالتالي يفترض أن هذه الزخرفة كانت من الأنماط الشائع استخدامها في اليمن القديم وما يزيدنا تأكيدا هو وجود مجموعة من الرسوم الصخرية التي تضم تماثيل حيوانية وضعت على أركان القصر من الخارج
ومن خلال النقش السابق نفهم بأن القصر الملكي (هرجب) قد شيد بواسطة أحجار مهندمة (جيدة التوقيص) ومتنوعة في ألوانها من الرخام (جلبت بعضها من أماكن بعيدة استناداً لما ورد في نقش "برع 1" ، والأنف ذكره الذي وجد في أحد مقاطع الحجارة في منطقة أبين بموقعة الأصلي ، ويعرف من النقش (ZM-1) أن ترميم القصر(هرجب) تم في عهد الملك شرحبيل يعفر ، وبالتالي يمكن القول بأن ترميم قصر هرجب قد استخدمت فيه أحجار قديمة من ظفار إلى جانب البلاطات الرخامية وأحجار العقود التي تم جلبها من مناطق أخرى ، وبذلك يتأكد ما ورد عند الهمداني أن بناء القصور في اليمن تؤلف مناظر أكثر جمالا من الخارج من خلال ألوان أحجارها وتنوعها في عمارة القصر.
اكتشاف الدليل المادي للاجراس في اليمن
من ناحية اخرى وهي الاهم هي اكتشافنا للديل المادي لهذه الاجراس في أحد مواقع المزادات العالمية عرض عام 2006م وهو عباره عن جرس برونزي عليه كتابة بالخط المسند كما في الصوره المرفقه
و هذا الدليل العلمي على استخدام "المعاهر" الاجراس كما اسماها الهمداني، في اليمن القديم بالإضافة لما ورد في نقش قصر هرجب في ظفار عاصمة مملكة حمير ولا شك قد سبق تاريخ 457 ميلادي سنوات كثيرة، على استخدام تلك الاجراس وانها لم تنحصر في قصور العاصمة ظفار وحسب، بل استخدمت في قصر غمدان وفي قصور اخرى.
كتبه : رياض الفرح
استنادا لأحد أبحاث الدكتور العزيز أنور الحاير غير المنشوره
نقش قصر هرجب في ظفار عاصمة مملكة حمير
اكتشاف آثار مدينة أهله القتبانية في الرياشيه