الأمراض والاوبئه في اليمن القديم من خلال النقوش المسندية
اغارر للمعلومات التاريخية والنقوش المسندية اليمنية  اغارر للمعلومات التاريخية والنقوش المسندية اليمنية

الأمراض والاوبئه في اليمن القديم من خلال النقوش المسندية


خط المسند


انور محمد الحاير
21- 3 - 2020
Abstract;
The research discusses: diseases and epidemics through ancient Yemeni inscriptions, dating back to pre-Islam, the names of these epidemics, and how they were disposed of from the Yemeni man in that era, as well as the names of some other diseases that appeared in the ancient times. Inscriptions The researcher relied on a number of inscriptions written on stone rocks during the period from the first century to the fourth century A.D.
الاسم (وباء) في المعاجم اللغوية:
وب أ : الوَبَأُ: الطاعون بالقصر والمد والهمز. وقيل هو كلُّ مَرَضٍ عامٍّ، وفي الحديث: إِن هذا الوَبَاءَ رِجْزٌ. وجمعُ الـممدود أوْبِيةٌ وجمع المقصور أَوْباءٌ، وقد وَبِئَتِ الأَرضُ تَوْبَأُ وَبَأً. ووَبُوأَتْ وِبَاءً وَوِباءة[i] .
وجاء الاسم ( ع  و س ) في النقوش اليمنية القديمة، بمعنى: وباء، طاعون،( ʿ w s):
  ʿ w s: Plague, Pestilence \ Peste[ii].
وفي معاجم اللغة العربية جاء الاسم "ع و س ": عوس: العَوْس والعَوَسان: الطَّوْف بالليل، عاسَ عَوْساً وعَوَساناً:
طاف بالليل، والذئبُ يَعُوس: يطلُب شيئاً يأْكله [iii] . وفي نفس الوقت نجد اللفظ " ع و ص" ياتي في معاجم اللغة على انه (مرض الفالج)، وقد تكون تصحيف للكلمة الاصل " عوس"، من ناحية اخرى فان حرف (ص) يحل محل (س)، ويجوز في ذلك الابدال، وكان ذلك وارد في نقوش المسند اليمنية القديمة. لذلك نجد الاسم ( عوص ): العَوْصُ والعَوِيصُ والعائصُ، الأَخيرة مصدر كالفالِجِ ونحوه، ويقال: أَصابَتْهم عَوصاءُ أَي شدّةٌ؛ وأَنشد ابن بري:
غير أَن الأَيامَ يَفْجَعْنَ بالْمَرْ

ءِ، وفيها العَوْصاءُ والمَيْسورُ

وداهية عَوصاءُ: شديدة،  والأَعْوَص: الغامضُ الذي لا يُوقَفُ عليه [iv]. من خلال ما سبق ذكره فانه يمكنا تعريف " ع و س – ع و ص " في النقوش اليمنية القديمة، على انه:  مرض وبائي شديد العدوى ، وهو الطاعون، والغامض الذي لم يعرف له دواء غير الدعاء للإله في اليمن القديم. وربما ان استخدام اللفظ " ع و س " في النقوش المسندية القديمة، للتعريف به، على انه مرض وباء خطير وقاتل، ولأنه ربما كان معدي، ويتفشى وينتشر بين عامة الناس سريعا، ويمكنا تشبيهه –العوس- بذلك الذئب الذي يصول ليلا بحثا عن شيئا يأكله، ولعل ما جاء في عدد من النقوش القديمة، كما ياتي لاحقا، والتي تبين ما جاء فيها الفرحة والسرور لشفائهم من ذلك المرض المميت، وهي دلالة واضحة بانه كان اكثر الامراض خطورة على حياة القدماء ذلك الوقت، وعلى الرغم من صعوبة ايجاد أي ادوية لمواجهة ذلك المرض القاتل، الا ان الانسان اليمني القديم، قد استطاع استغلال تفكيره في ايجاد الحلول الفكرية للقضاء على ذلك الوباء، والذي اصاب بعض الاماكن السكنية في الحضارة اليمنية القديمة.
ومن النقوش اليمنية القديمة والمتوفرة بين ايدينا حتى الان، التي تذكر مرض الوباء الذي حدث في القرن (الثاني – الثالث) قبل الميلاد تقريبا، وكما سبق ذكره، جاء اسمه ( ع و س ) : اي: طاعون، وباء.  وانه انتشر في الارض، وبسبب انتشاره، حدث الخوف والحزن عند عامة الناس قديما، وربما انهم بقوا وظلوا في بيوتهم هربا من ذلك الوباء خوفا من اصابتهم بالعدوى التي ربما كانت تنتشر وتتوسع بشكل مخيف، وفي نفس الوقت تشير بعض النقوش بان قوم اليمن، لم يستطيعون مواجهة ذلك الوباء طبيا، او حتى ايجاد اي ادوية له، ولكنهم في الاخير توصلوا الى حل ربما كان املهم الاخير لإنقاذ انفسهم من الموت، وكان ذلك الامل هو الرجوع الى الاله (المقيت) اله السماء، وذلك بان قرروا الذهاب الى مكان العبادة الخاص بالإله، وتقديم له القرابين (ذبائح) من الحيوانات خاصة حيوان الثور الذي كان حلال ذبحه، حتى يستجيب لهم الاله، وانقاذهم من ذلك الوباء الذي انتشر على الارض، وعند وصولهم الى معبد ( المقيت) في معبده، تقدموا بالدعاء بخشوع، طلبا من الاله، ان ينقذهم من ذلك الوباء الخبيث، الذي ربما كان قد اصاب البعض من البشر الموت بسببه، وان ذلك الوباء قد اخرب منازلهم وارضهم الزراعية، وبعد الانتهاء من الدعاء للإله (المقيت ) في السماء، غادروا المعبد ( بيت الاله ) الى منازلهم، وهم مطمئنون وسعدا، وكان شعورهم بان (الاله) قد استجاب دعائهم واوقف الوباء، وانزل الشفاء على من كان مريض منهم بسبب ذلك الوباء، بل واصبحت الارض نقية من الوباء. كما جاء الاسم " خ و م " : مرض وبائي[v] .
 ومن تلك النقوش السبئية النقش ()، الذي يرمز اليه بــ (cih 81):
1  ʿbds²ms¹m bn Ḥyẓm hqny ʾlmqh
   2  ḏ-Hrn ms³ndn ḏ-s²ft-hw w-wqf
   3  l-hw ṯwrm b-kn mtʿ-hmw bn ʿw—
   4  s¹ ḏ-kwn b-ʾrḍn b-ḫrf S¹mhkrb
   5  bn Tbʿkrb bn Fḍḥm w-hʾḫr—
المفهوم العام للنص:
= عبد شمس بن (حيظم) قدم للإله ( المقيت)، في معبد هران مسندا ( كتابة على لوح بخط المسند)، ذلك لانه وعد (الاله)، بتجهيز ثور،( وتقديمة للإله ) لأنه شفاه من الوباء الذي كان  (قد اصابه ) في وطنه،...الخ.  
كذلك النقش (
) الموسوم[vi] (Nāmī NAG 9 Ja 645; MaMB 276 )، الذي يحدثنا ايضا عن الوباء، ويصفه انه قاتل، وانه مرض خبيث، فقد جاء في السطر 13، 14 من النقش:
 ..bn ḫwm w-ʿws¹ w-mwtt kwn b-ʾ—
    rḍn b-ḫrf Ḥywm bn ʾbkrb
المعنى :
 ..من مرض وبائي قاتل، كان قد حدث في الأرض، في (تاريخ) السنة الاولى لحيوم بن اب كرب ...الخ.

ايضا هنالك نقوش سبئية اخرى (اللوحة: 3)، يعود تاريخها ما بين القرن الاول الى الرابع الميلادي تقريبا، تحدثنا عن نفس المرض (الوباء)، وخطورة انتشار العدوى على الارض، لفترة عدد من الاعوام، والنقش يعود لمملكة سبأ، يرمز اليه بـ (Cih 557):
   5  tʿn grb ʾmt-h—
   6  w Ġḍr bn ʿws¹
   7  w-mwtn kwn b-
   8  kl ʾrḍn
المعنى:
لان (الاله) شفاء جسم خادمته، (المسماة ) غضر، من وباء الموت، الذي انتشر في كل ارض..
يتضح لنا من خلال النص السابق، ان الأوبة كانت معروفة في الحضارة اليمينة القديمة، وان العدوى كانت تصيب الرجال والنساء وربما الاطفال ايضا، ولعل ما جاء في هذا النص، الذي يذكر ان امرأة خادمة (الرجل) الذي تقدم بهذه الكتابة الى معبد (الاله)، كانت مصابة بالوباء، نتيجة العدوى، التي كانت قد انتشرت على أرض وطنهم ذلك الوقت، وانه – الرجل- يحمد الاله ويشكره، لأنه شفاء، المرأة (خادمة الرجل) من ذلك الوباء، بعد سنوات من المرض الخبيث، وسجل ذلك النص على اللوح الحجري، بخط المسند اليمني القديم، وهو اعتراف بدور (الاله) ذلك الوقت في انقاذهم من تلك الاوبئة والامراض القاتلة.
من ناحية اخرى جاء في النقوش اليمنية القديمة ( المسند) انواع من الامراض، التي جاء الاسم في النقوش " م ر ض " أي: مرض[vii]. منها مرض الاسنان[viii]، العيون[ix] (اللوحة: 4)، العظام[x]، الحمى والزكام[xi]، الاسهال والقي، وباء الكوليرا[xii]، ...الخ، وخير مثال ما جاء في النقش (
)، الذي يرمز اليه بـ (Ja 706 MaMB 158)، والذي يتحدث عن مرض العيون حسب الاتي:
   1  ʾmtʾlmqh s¹bʾytn bt
   2  Ḫdqm hqnyt ʾlmqh-Ṯh—
   3  wn- bʿl-ʾwm ṣlmtn ḏt
   4  ḏhbn ḏ-s²ftt mrʾ-hmw
   5  ʾlmqh l-hʿnn ʾmt-hw |
   6  Nḍrt bn mrḍ mrḍ(t)
   7  ʿyn-hw w-rʾ k-hʿn-hw
والمفهوم العام للنقش:
امة (المقيت) السبئية بنت حداق، اهدت (المقيت) ثهون سيد (المعبد) اوام، تمثال من البرونز لشفائها من مرض كان قد اصاب عينيها، وعانت المرض كثيرا. هكذا نجد حتى اطباء العيون كان لهم حضور في الحضارة اليمنية القديمة، هذا المرأة السبئية التي تسمى (امة المقيت) كما هو الحال في العصر الحديث -(امة العليم، امة الرزاق ..الخ)- تتقدم بتمثال من البرونز للمعبود (المقيت)، الذي ساعدها في شفاء عينيها واعاد اليها نظرها، والذي يبدو انها كانت تعاني من عدم الرؤية، هذا التمثال يعبر عن الحمد والشكر للإله الذي شفاها من ذلك المرض .
  وبالتالي نعتقد ان قوم سبأ وذي ريدان، كانوا على معرفة بالطب قبل الاسلام، والدليل على ذلك، وما اشرنا سابقا، هو اعلانهم في كتاباتهم القديمة عن شفائهم من تلك الامراض، وبالتالي كان الطب موجود في حضارة اليمن القديمة، ولهذا ليس بغريب ان يستخدموا مجموعة من المواد العطرية في تحنيط الموتى، وبالتالي كان لديهم اطباء مهرة، حتى وان كانت ادويتهم تعتمد على الاعشاب، لكنهم استطاعوا ايجاد الادوية الفعالة في مواجهة الامراض السابقة، باستثناء الامراض التي وصفوها ( وباء، طاعون ) والتي تبين من خلال النقوش السابقة انهم لم يستطيعون مواجهة تلك الامراض المعدية والتي تنتشر على الارض، لكنهم وجدوا دواء اخر، كان املهم الوحيد، ذلك الدواء عبارة عن التوجه الى بيت الاله (المعبد ) وتقديم الاضاحي (حيوان الثور)، ومن ثم الدعاء الى الاله بان ينقذهم من ذلك الوباء الذي يستهدف حياتهم، ويبدوا ان الاله استجاب لدعاء اولئك المرضى سريعا، والدليل ما جاء في النقش سابقا، من عبارات الحمد والشكر لإله السماء ( المقيت)، الذي انقذهم من ذلك الوباء المعدي، واسرع في شفاء كل المرضى ذلك الوقت.
اذا من خلال ما سبق تناوله توصلنا الى معرفة بعض الامراض الوبائية اعتمادا على النقوش اليمنية القديمة وهي ثلاثة انواع جاء لها ذكر في الكتابات القديمة على انها اوبئة وامراض معدية منها :
ع و س : عوس: مرض الوباء والطاعون.
خ و م : خوم : مرض وبائي.
ذ ر ب : ذرب: مرض وبائي (الكوليرا).
كما تبين من خلال النقوش السابقة ان الانسان اليمني القديم، استطاع معرفة انواع من الامراض غير الوبائية، وجائت مسمياتها في النقوش منها امراض (الاسنان، العيون، العظام، الاسهال والقي، ..الخ، وانه بتحديد طبيعة تلك الامراض يكون بالفعل طبيب مختص في الامراض التي كانت تصيب الانسان اليمني قبل الاسلام، وتحديدا مابين القرن الاولى الرابع الميلادي، ولا شك كان لذلك الطبيب اماكن خاصة يعاين فيها المرضى ويعطيهم الادوية المناسبة.
ايضا تبين من خلال هذه النقوش ان الانسان اليمني قبل الاسلام، استطاع معرفة انواع من الاوبئة خاصة تلك المعدية، مثل الكوليرا، ويكون بذلك قد اجتاز ارفع الشهادات العلمية الخاصة في الطب والصيدلة ذلك الوقت العريق في القدم.


References
[i] - لسان العرب- (مادة)، وبأ.
[ii] - BEESTON. M.A. GHUL .W.W. MULLER. J.RYCKMANS, DICTIONNAIRE SABEEN,SANNA, 1862, 23.
[iii] - لسان العرب- (مادة) ع و س.
[iv] - المصدر السابق، (مادة ) ع و ص .
[v] - BEESTON. M.A. GHUL .W.W. MULLER. J.RYCKMANS, DICTIONNAIRE SABEEN,SANNA, 1862, 64.
[vi] - Nāmī NAG 9 Ja 645; MaMB 276
[vii] - BEESTON. M.A. GHUL .W.W. MULLER. J.RYCKMANS, DICTIONNAIRE SABEEN,SANNA, 1862, 87.
[viii] - Ja 702 MaMB 145.
[ix] - (Ja 706 MaMB 158.
[x]-  BynM 1.
[xi] - CIH 343.
[xii] -( ḏ r b ); J 513\10 ,  a disease, cholera. Look; DICTIONNAIRE SABEEN,40

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

اغارر للمعلومات التاريخية والنقوش المسندية اليمنية