تاريخ التجارة في اليمن القديم البخور والتوابل
اغارر للمعلومات التاريخية والنقوش المسندية اليمنية  اغارر للمعلومات التاريخية والنقوش المسندية اليمنية

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

تاريخ التجارة في اليمن القديم البخور والتوابل

 

طريق القوافل وتجارة البخور


تجارة التوابل والنباتات في اليمن القديم في الكتابات الرومانية 



في القرن الخامس قبل الميلاد قدّم هيرودوت وصفاً رائعاً لمنطقة جنوب الجزيرة العربية بأنها تلك البلاد الواقعة في حدود العالم المأهول بالسكان والني يأتي منها البَخُور والمُرّ والقِرْفَة وصَمْغ اللَّاذِن، والتي تفوح منها الرائحة العَطِرة للذَّات الإلهية («تاريخ»، الفصل الثالث صفحة 107-113). ويبرز هذا التنوع في التوابل من خلال الأسماء الثلاثة عشر المكتوبة على المَبَاخِر التي تعود إلى حضارة جنوب شبه الجزيرة العربية، بما في ذلك توابل شبه القارة الهندية، ولم يتم التصدير إلى بلاد المشرق إلا البعض منها. كان اللُبَان من أكثر هذه التوابل ذكراً وهو عبارة عن صمغ لزج أبيض ينتج من أنواع عدة من شجرة اللُّبَان البوسويلية التي أكثرها شيوعاً شجرة البوسويلية المقدسة. وجاء ذكر مادة المُرّ ولأول مرة في كتابات صافو باللغة اليونانية في القرن السابع قبل الميلاد وبأنه عبارة عن صمغ لزج عِطْرِي تنتجه شجرة البَلْسَم. ومادة اللَّاذِن هي عبارة عن بخور قابل للحرق جاء ذكره في الإنجيل المقدس ومن ثم هيرودوت، والتي هي عبارة عن صمغ زيتي لزج ينتج من أوراق لأنواع مختلفة من الشجيرات. وبناءً على ما جاء عند بلين الكبير كانت القِرْفَة تحصد في شرق أفريقيا ومن ثم يتم نقلها إلى جنوب شبه الجزيرة العربية حيث يتم تصديرها من هناك («التاريخ الطبيعي»، الفصل الثاني عشر، ص 97).



تجارة البخور و أهميته في الحضارات القديمة 



تعتبر عادة التبخير من الممارسات القديمة في جنوب شبه الجزيرة العربية وترتبط بالطقوس المقدسة. كان لها وظيفة تكمن في تنقية الروح بل وتوليد النشوة. عُثر في مِيْسَار في منطقة جبلية وسط سلطنة عُمَان على بقايا محروقة لمادة عطرية على مادة من الخَزَف على مستوى حفري يرجع تاريخه إلى عام 2200 قبل الميلاد تقريباً. ففي مصر، تحمل حجر باليرمو تلك المسلة المسجلة في مدينة ممفيس التي يعود تاريخها إلى عام 2400 قبل الميلاد تقريباً أقدم ذكر للمواد العطرية التي تم إحضارها من سواحل الصُّوْمَال المرتبطة عادة بالخط البحري السوداني والاريتري. ذكرت العديد من النصوص الآكَادِية منذ النصف الثاني من الألفية الثالثة في بلاد ما بين النهرين بعض المواد العطرية وطريقة نقلها. ويشير نص آشُوْرِي إلى نهب قافلة تضم 200 ناقة قادمة من تَيْمَاء في مدينة هندانو بالقرب من الموقع الحالي لأبي كَمَال على الفرات الأوسط. ناهيك عن أن مدينة هندانو كانت المدينة الوحيدة التي وفرت الإبل تكريما للملوك الآشوريين ومن القلائل التي كانت تحضر مادة المُرّ. ولم يُذكر البخور الشرقي في شرق البحر الأبيض المتوسط إلا بعد القرن السابع قبل الميلاد. فإذا تبين أن استيراد البخور تم قبل نهاية الألفية الثانية فإن تجارته المنتظمة عبر طرق جنوب شبه الجزيرة العربية لا ترجع إلى قبل بداية الألف الأول قبل الميلاد. إن الأهمية التي منحت لإنتاج البخور في النصوص القديمة تأتي نتيجة لعلاقة تجارية خاصة جداً مع جنوب شبه الجزيرة العربية. إلا أن هذه التجارة في شبه الجزيرة لم يرد ذكرها إلا فيما يقارب عشرة نقوش، في حين أنها شكلت مصدر ثروة كبيرة في المرحلة الثانوية من التنمية الاقتصادية وأصبحت ممكنة بفضل الازدهار الزراعي للممالك. وكان ظهور «طريق البخور» ناتجاً عن تفاعل العوامل التكنولوجية والسياسية والاقتصادية. في البداية، لم يكن لهذا الطريق أن يتشكل لولا وجود حيوان يتلاءم مع البيئة القاحلة.



قوافل البخور و طرق تصديرها من اليمن القديم 



تعد الجمال من الحيوانات المتواجدة في البرية في الجزيرة العربية والحاضرةً بقوة بين تلك الحيوانات التي كان يتم اصطيادها حتى الألفية الثانية قبل الميلاد، إلا أن بداية تدجينها ترجع إلى النصف الثاني من هذه الألفية. لقد تطلب الأمر الانتظار حتى القرن الثامن والسابع قبل الميلاد وهو الوقت الذي وصلت فيه مجتمعات جنوب شبه الجزيرة العربية إلى مستوى من التعقيد الذي أسفر عنه إخراج فائض الحبوب من اجل الحفاظ على جماعات البدو مع ضمان سلامة القوافل من جهة، والسكان العاملين في الجمع الواسع للمواد العطرية من جهة أخرى. كان إنتاج وتجارة البخور شأناً من شئون الدولة. وقد اتفق جميع الكتاب القدامى على وضع إنتاج وتجارة البخور في إطار مؤسسي صارم أكثر من فصّل ذلك هم: هيرودوت، «تاريخ»، الفصل الثالث، ص 107-113، وبليني «التاريخ الطبيعي»، الفصل الثاني عشر، ص 54-64 وثاوفرسطس، «أبحاث حول النباتات»، الفصل التاسع، ص 4-6 و«الطّواف حول البحر الإريثرى»، ص 29، وأغاثارشيدس دي كنيدوس في كتاب «Geographi minores»، ص 95-105.

 


أماكن تواجد البخور وطريق القوافل اليمنية 



كانت تقوم التجمعات الريفية الشرقية بإنتاج البخور تحت رعاية النخب السياسية والدينية. كان مصدر القدر الأكبر من الإنتاج هضبة حضرموت وظفار الجبلية والساحلية وعمان مع محصول بسيط في شهر فبراير والمحصول الرئيسي يقع بين أبريل ويونيو. وكان ميناء كعاني على المحيط الهندي يستقبل القوارب المحملة بالبخور والقادمة من بلاد ظفار البعيدة (من ميناء سمهورام بشكل رئيسي) ومن جزيرة سُقَطْرَى وشرق أفريقيا (الصومال وإريتريا). بعد ذلك يتم نقل البخور إلى شَبْوَة عاصمة حضرموت التي كانت تسيطر على المناطق المنتجة للبخور. كانت شبوة تأخذ بعض الرسوم من أجل دور العبادة. وقد تم التعرف على طرق سير متعددة تقود إلى الجَوْف. وكان استخدام هذه الطرق يتم بناءً على الخطوات التي وضعتها القوة المهيمنة في تلك الفترة.


ومن هناك تتجه القوافل صوب نَجْرَان حيث تقع أسواق البضاعة القادمة من جنوب شبه الجزيرة العربية. وعليه فقد كان أمن القوافل يعتمد على التحالفات والاتفاقات المبرمة مع القبائل شبه البدوية التي تسيطر على الأراضي الممتدة من يَثْرِب (المدينة المنورة) إلى دَادَان (العُلَا) وتَيْمَاء وبلاد النِّبْطِين ومن قرية الفَاو إلى جَرْهَا.



التجارة في مملكة معين 



كان المعينيون أكثر من جاء ذكرهم في النقوش الغربية والنصوص النادرة في مجموعة الكتابات الخاصة بحضارة جنوب شبه الجزيرة العربية ولهم صلة بهذه التجارة. فقد سيطرت مملكة مَعِيْن في الجوف الواقعة في الشمال الغربي لحضارة جنوب شبه الجزيرة العربية على تجارة القوافل خلال الفترة اليونانية. فعلى سبيل المثال تم تمويل نقش سور بَرَاقِش (الجوف) من قبل «قائدين لقافلتين ورجال قوافل معينية، وأناس خرجوا في رحلة تجارة معهما إلى مصر وآشور بابل وما وراء الفرات».



نقوش المسند للتجار في مملكة معين 



يذكر أحد سكان نَشّق (الجوف) في نقش آخر «بأنه ذهب في رحلة استكشافية إلى دَادَان وغَزَّة ومدن يَهُوْد (يهوذا) واستمتع بالسلام ونجا من الحروب وذهب من غزة إلى كيتي (كتيون، قبرص) خلال حرب كاشدوم (كلدو) ويوان (إيونية)». ويحفظ نقش آخر سابق للعصر الميلادي بقائمة بالمعينيين الذين تزوجوا بنساء ينحدرنّ من مصر وشرق الجزيرة العربية وبلاد المشرق، ومن غزة على وجه الخصوص. ويبدو أن المعينيين كان لديهم وكالات تجارية على طول طريق البخور التجارية، وأن قبيلة عَامِر من منطقة الجوف أيضاُ التي ترعى الإبل حلت محلهم منذ القرن الأول قبل الميلاد.


 الحملة الرومانية على اليمن للسيطرة على التجارة



كان البخور يُباع في أسواق البحر الأبيض المتوسط بسعر باهظ حسب ما جاء عند المؤلف الروماني بلين الكبير الذي شكى ذلك في كتاباته («التاريخ الطبيعي»، الفصل الثاني عشر، ص 54-64). وهكذا سعت روما بحثاً وراء السيطرة على تجارة البخور بعد ضم مصر عام 30 قبل الميلاد. وتعد حملة أيليوس غالوس عام 25 قبل الميلاد تحت حكم أوغسطس على جنوب الجزيرة العربية نقطة تحول هامة. وغالبا ما يتم وصف هذه الحملة على أنها فاشلة على الرغم من أنها مكنت الرومان من قياس المسافات ووسائل الملاحة مع الهند بفضل تقلبات الرياح الموسمية.



تحول طريق التجارة في اليمن القديم إلى الطريق البحري



حل الطريق البحري بديلاً عن طريق القوافل خط سير القوافل عبر الجزيرة العربية وبشكل تدريجي. ويذكر سترابو في عام 20 قبل الميلاد قائلا «كنا نرى ما يصل إلى مائة وعشرين سفينة أبحرت من مايوس هرموس متوجه صوب الهند» («جغرافيا»، الفصل الثاني، ص 5 و12). ومنذ مطلع القرن الأول للميلاد أصبحت الموانئ الرئيسية في حضرموت وعلى رأسها ميناء كعاني المنافذ الجديدة لتجارة التوابل.

ميشيل موتون

المركز الوطني للبحث العلمي، وحدة الأبحاث المشتركة


منقول من كتاب اليمن موطن الآثار، أستريد إيمري وجيريمي شيتكات)


الشكل 8-9: خريطة خطوط السير الرئيسية للقوافل عبر الجزيرة العربية (خريطة أستريد إيمري وجيريمي شيتكات).


عن الكاتب

رياض الفرح

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

اغارر للمعلومات التاريخية والنقوش المسندية اليمنية