الكتابة هي احد أهم وأقدم المأثر البشرية عبر تاريخها ولولا وجود الكتابة لما تناقلت الأمم المعارف والعلوم جيلاً بعد جيل وقد مرت الكتابة عبر تطورها بعدة مراحل يحددها الباحثين بالكتابة التصويريه ثم التصويريه الرمزية ثم الكتابة المقطعيه ثم مرحله الكتابة الهجائية، ولما كانت اليمن أحد اقدم المراكز الحضاريه للجنس البشري فقد قدمت أبجدية خاصه للكتابه ومنها اشتقت بعض الأبجديات بصورة مباشرة او غير مباشرة.
الخط المسند أهم معالم الحضارة اليمنية
الخط اليمني القديم هو خط المسند و يسميه المستشرقون خط النصب التذكارية ويعللون تسميته بالمسند أنه مستقيم على هيئة الاعمدة وان اليمنيون يميلون إلى هذا الشكل في بناء القصور والمعابد والاسوار والسدود ومن اجل ذلك اوجدو حروف قائمة ويرون ان حروف خط المسند كلها عباره عن خطوط تستند إلى الأعمدة، اما لسان اليمن ابو الحسن الهمداني فيقول عن الخط المسند بأنه الكتابة الدهريه ويقول نشوان الحميري المسند خط حمير والمسند الدهر، اما وهب بن منبه فيقول إنما قيل له مسند لأنه أسند إلى نبي الله هود عن جبريل عليه السلام وامرهم بالحفاظ عليه فإن لهم فية على الخلق فضيله.
والمسند لغة يقصد به النقوش الوثائقية ذات الطابع التذكاري واصطلاحا هو الخط او الأبجدية التي استخدامها اليمانيون للكتابة
فالخط المسند هو ابداع يمني خالص ولم يقتصر استخدمه على اليمن بل كان القلم المستعمل في كل أنحاء شبه الجزيرة العربية ووصل إلى أنحاء المعمورة فقد وجدت نقوش بخط المسند في مصر والعراق والشام واليونان اي في أرجاء العالم القديم، يقول الدكتور هومل ان الخط المسند هو الذي اشتق منه الخط الفينيقي الكنعاني وبرهن على ذلك بان الكتابة المعينيه أقدم من النقوش الفينيقيه، ويقول العالم صموئيل لاينج ان اكتشاف الآثار اليمنية قد بينت لنا أنهم اصحاب علم ولهم حروف هجائية خاصة لا تقل في قدمها عن الخطين الهيروغليفي والمسماري، كما يقول العالم الألماني مورتينز ان اصل الكتابة بالحروف الهيروغليفية كان في اليمن وان اليمانيون هم الذين اخترعوا الكتابة وليس الفينيقيون هم الذين اخترعوها كما هو الرأي المشهور وان الفينيقيين إنما بنوا كتابتهم على الكتابة العربية اليمانية ثم اخذها منهم اليونانيين ثم الرومان، وكذلك يقول الدكتور بيستون ان كتابه ونقوش المسند تمثل اثراً باقياً لثقافة فذة ذات شخصية متميزة وعالية التطور.
هل كان الإسلام سبب في غياب شمس الخط المسند
كثيراً ما نقرأ او نسمع من البعض ان الإسلام قد اسدل الستار على الحضارة اليمنية القديمة في كثير من جوانبها ومن ذلك الخط المسند ،والحقيقه هي ان أحدث النقوش المكتشفة بخط المسند تعود إلى القرن الخامس الميلادي اي قبل ظهور الإسلام باربعين عام وقد يتبادر إلى الذهن سؤال بما ان الخط المسند كان له الاسبقيه والتمكن في الجزيرة العربية وما جاورها وبما ان معظم أوائل الصحابة كانوا من اهل اليمن وهم أبناء الخط المسند فلماذا لم يستخدمه العرب في الكتابة واستخدموا خط اخر ومن خلال الاكتشافات الجديدة يتضح لنا ان اليمانيون قبل ظهور الإسلام كانوا قد توقفوا عن الكتابة بخط المسند الدهري ولكن هذا لا يعني انهم لم يعودو يكتبون بل كان لهم خط اخر اشتقوه من خط المسند وهو خط الزبور الذي دونوا به الشؤون العامه والتجارية وغيرها ومنه تطور الخط العربي في اليمن والحجاز في صورته الأولى ثم اشتقو منه خط الجزم واستمر تطور الخط إلى ان اصبح ما هو عليه اليوم، وانطلق اليمانيون في رحاب الإسلام واصبحوا من أوائل القادة والفاتحين، ولكن هذا لا يعني أنهم نسوا الخط المسند فما يزال منهم من هو قادر على قرأته ودليل ذلك ما اورده الهمداني في القرن الثالث الهجري وكذلك نشوان الحميري الذين نقلوا لنا أشكال حروف المسند وقواعده، وليس صحيح ما يوردة بعض المتحاملين على اليمن وتاريخه بأن الخط المسند قد تم القضاء علية إبان ظهور الإسلام وضل منسياً حتى بالنسبة لليمنيون إلى ان جاء المستشرقون في القرن الثامن عشر الميلادي واعادوه إلى الواجهه فكما قلنا سابقاً ان الهمداني والحميري قد نقلوه لنا قبل المستشرقين بعده قرون ولكن جل ما قام به المستشرقين هو تقديمه للدراسات العالميه وهذا يحسب لهم مع ما يشوبه من بعض التحفظات حول هدفهم الحقيقي من دراسة الخط المسند، اما جهل العرب عن الخط المسند والانصراف عنه ودراسته في العقود الأولى للإسلام واقصد بذلك بداية عصر التدوين في العصر الاموي ثم العباسي فقد اهتموا بتدوين التاريخ الإسلامي وتجاهلوا الكتابة عن تاريخ الجزيره العربيه قبل الإسلام لأنهم اعتبروا تلك فتره جاهلية كما يسمونها واعتبروا ان تناولهم لتلك الفتره الهامه من تاريخ العرب يعتبر تمجيداً وتقليل من شأن الإسلام وهم بذلك قد ارتكبوا خطيئة وجناية في حق التاريخ وهم باهمالهم لدراسة الخط المسند منذ وقت مبكر قد اضاعوا اهم مصدر موثوق للتاريخ القديم وراحوا ينقلون ما يتوارد إليهم من الكتب اليهودية والمسيحيه الذين كانوا مختلطين بالعرب من قبل الإسلام
ولذلك نجد ان من نقل من الأوائل عن تاريخ اليمن والجزيرة العربية يشوبه الكثير من الخلط والمبالغة أحياناً، ولولا وجود الخط المسند الذي حفظ لنا تاريخنا ومأثرنا التي نقشت في الصخر واستعصى على الزمن ان يمحوها لانكروا علينا كل ما كنا علية من حضارة وتمدن ومأثر ضاربه في جذور التاريخ.
رياض الفرح