خط الزبور اليمني
خط الزبور اليمني هو الخط التحريري أو الشعبي الذي كان مخصص لكتابة شؤون العامة أبتكره اليمانيون قرابة القرن الثامن قبل الميلاد وهو مشتق من الخط المسند حيث أن خط المسند كان خط دهري مقدس، أما خط الزبور فقد تم جزمه للكتابة العادية بطريقة سريعة وميسره فكتب على عسيب النخل أو أعواد العلب او الجلد، وقد ظل هذا الخط مجهولاً لدى دارسي وباحثي اللغات مدة طويلة من الزمن ففي حين بدأت دراسة خط المسند منذ القرن الثامن عشر فلم يكتشف خط الزبور الا أواخر القرن العشرين.
خط الزبور في المصادر القديمة
وردت الإشارة إلى خط الزبور اليمني في العديد من المصادر العربية التراثيه القديمة والشعر الجاهلي فهذا ابو الحسن الهمداني في الاكليل يصف العالم ابي نصر اليهري بأنه وارث علوم حمير وقارئ مساندها الدهرية وكتاباتها الزبرية وأشار الهمداني إلى انه كان في حوزت أبي نصر اليهري كثيراً من الزبر وأنه قد نقل الأخبار والاشعار عن بعض الزبر، فالهمداني هنا يشير إلى نوعين من الكتابة كتابة خط المسند وخط الزبور ، وقد جاء في السيرة الجامعة لنشوان الحميري أنه قال أسعد تبع
وكتبنا مسانداً في ظفارٍ
وكتبنا أيامنا في الزبورِ
وقال عمرو بن حسان
زبرنا في ظَفار زبور مجدٍ
سيقرأهُ قروم القريتينِ
وقال إمرؤ القيس
لمن طلل ابصرته فشجاني
كخط زبور في عسيب يماني
وقال أيضاً
اتت حجج بعدي عليها فأصبحت
كخط زبور في مصاحف رهبان
وقال لبيد العامري الجاهلي
وجلا السيول عن الطلول كأنها
زبر تجد متونها اقلامها
واورد السيوطي في المزهر أبيات لرجل من دومة الجندل قوله
واغنيتمو عن مسند الحي حمير
وما زبرت في الصحف أقيال حمير
وقال الهمداني وهو يذكر نساب الشام والعراق وامتنعت عليهم انساب ولد الهميسع إذ كانت مزبرة في خزائن حمير
وفي كتاب المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد العلي قوله "ويظهر من البيت المنسوب إلى لبيد
فنعان صارة فالقنان كأنها
زبر يرجعها وليد يمان
ومن البيت المنسوب إلى ابي ذؤيب
عرفت الديار كرقم الدواة
يزبرها الكاتب الحميري
إن أهل اليمن كانوا قد اشتهروا بالكتابة والقراءه بين الجاهليين وأن ولدان أهل اليمن كانوا يرجعون أي يقرأون ويكررون ماهو مزبور أمامهم لحفظه وأن الكاتب الحميري أي كاتب أهل اليمن كان معروفاً مشهوراً يحمل الدواة ويكتب بها على مادة الكتابة إذ ورد انه قال اعرابي حميري أنا أعرف تزبرتي أي كتابتي، وذكر علماء اللغة أن الزبور هو الكتاب او الخط.
إكتشاف نقوش خط الزبور ودراستها
-في عام 1970م عثر مواطنون على عودين من الخشب في اطلال معبد قديم في منطقه الخربة السودا وهي مدينة نشأن القديمة في الجوف وقد وصل هذين العودين مصادفة إلى يد أستاذ النقوش القديمة محمود الغول الذي عكف على دراستها ومحاولة فك رموزها بالتعاون مع زملائه من اساتذه الدراسات اليمنية القديمة إذ أنه لم يشاهد مثل هذه الكتابة من قبل
- وفي عام 1972م في ملتقى دراسات الجزيرة العربية السادس الذي عقد في لندن قام الدكتور محمود الغول باطلاع العلماء على هذا الاكتشاف الذي لم يخطر على بال احد منهم وخلص إلى إنها كتابه سبئيه مدونه بخط جديد غير معروف لدى العلماء من قبل
- في عام 1986م نشر عالم اللغة اليمنية اليعربية الدكتور يوسف محمد عبدالله اول نص من خط الزبور وهو النقش رقم 1 في مجموعة متحف قسم الآثار بجامعة صنعاء
-في عام 1988م نشر الدكتور ريكمانز اول دراسة باليوغرافيه لبعض كتابات خط الزبور
- عام 1989م نشر بيستون دراسة لنقشي الدكتور محمود الغول تظمنت قائمة بأشكال الحروف الواردة في النقشين
- في عام 1991م-1992م عقدت حلقتتان علميتان لدراسة النقوش الخشبيه بمشاركة فريق علمي لمحاولة قراءة 40 نقشاً
- 1993 نشر ريكمانز بحثاً تظمن قصة اكتشاف خط الزبور واشكال الحروف وتنوعها وفي نفس العام نشر مولتر مقالاً اشار فيه إلى ان هذا الخط كان معاصر للخط المسند
- عام 1994م تم نشر اول كتاب بعنوان نقوش خشبية من اليمن القديم صدر باللغة العربية والفرنسيه قام بتأليفة العلماء جاك ريكمانز وولتر مولر ويوسف محمد عبدالله
- عام 1996م نشر الدكتور يوسف محمد عبدالله بحث بعنوان رسالة من امرأة بخط الزبور اليماني في مجلة الدراسات العربية
-نشر فرانتسوزوف عام 1999م أول نقش من حضرموت مكتوب على عسيب النخل
- عام 2000م-2001م نشر الدكتور محمد المرقطن مقال عن خط الزبور وفي نفس العام نشر ريكمانز دراسة لأكثر من 150 نقش من النقوش الموجودة في المعهد الشرقي في مدينه ليدن الهولندية
- في عام 2009م اكتشف الدكتور يوسف محمد عبدالله لاول مرة مجموعة من كتابات خط الزبور على الصخور في موقع ريمه حميد بأطراف صنعاء
- عام 2010م نشر العالم الألماني بيتر ستين كتاب باللغة الألمانية يتظمن دراسة وتحليل 205 مخطوطة من المحفوظة في مكتبة ميونخ الألمانية
عدد نقوش خط الزبور المكتشفه
• بلغ عدد اعواد خط الزبور المكتشفة منذ عام 1970م حتى الآن اكثر من 7000 كتبت على أعواد خشبية من عسب النخل والعلب(السدر) والعرعر والعشر منها 4000 نقش في المتحف الوطني بصنعاء و 2000 نقش في المتحف العسكري بصنعاء و 800 نقش في ألمانيا و 300 في ليدن بهولندا اظافة إلى مجموعة في متحف قسم الآثار بجامعة صنعاء ،وفي سبيل توثيقها قامت الهيئة العامة للآثار والمتاحف والمخطوطات اليمنية بالتعاون مع المعهد الألماني للدراسات الشرقيه عام 2004 م بمشروع للصيانه والتوثيق للمجموعة الموجودة في المتحف الوطني البالغة 4000 قطعة
أدوات كتابه خط الزبور
ومن أدوات كتابة خط الزبور كان يستخدم عند الكتابة قلم معدني مدبب الطرف أو قلم خشبي يثبت على طرفه قطعة معدنية مدببة وقد تم العثور على خمسه أقلام من أقلام كتابة الزبور في منطقة الجوف إثنان منها من العاج وثالث من البرونز ورابع من الحديد والخامس من الخشب في طرفه قطعة معدنية مدببة وكان يسمى هذا القلم المزبر.
خصائص كتابات خط الزبور
- حروفه 28 حرف وهي نوع متطور من المسند
- يكتب من اليمن إلى الشمال
- حروفه لينة تناسب حركة يد الكاتب وقدراته في رسم الحروف
- كتب على مواد لينة من الخشب أو عسيب النخل
- موضوعاته ناقشت الحياه اليومية والعملية والمعاملات بين الناس مثل الصكوك المالية ومعاملات البيع والشراء واتفاقات في مشاركة أراضي زراعية أو تربية المواشي او توزيع المياه على الأراضي الزراعية وكذلك سجلات بأسماء أشخاص او بطون قبائل
- معظم الخطوط المكتشفة تعود للعصر السبئي وبعضها معيني وحضرمي
أهمية خط الزبور في دراسة التراث الحضاري اليمني القديم
يعد خط الزبور رافداً مهم للخط المسند في صياغه التاريخ اليمني القديم ففي حين تقتصر كتابات المسند على تناول الحياة الدينية والتخليد والمعارك الحربية أو البناء والأنشاء يقدم لنا خط الزبور مواضيع جديدة لم تكن معروفة من قبل عن التاريخ الاقتصادي والاجتماعي لليمن القديم فهناك معلومات عن الزراعة والمحاصيل الزراعية وعن التجارة والمكاييل والاوزان والنقود إضافة إلى معلومات عن المرأة ودورها في المجتمع
أهمية خط الزبور لدارسي اللغة والخط العربي
تعددت النظريات حول نشأة وتطور الخط العربي ووجد إتجاهان في هذا الخصوص الأول هو اتجاه يعتمد على الماثورات العربية في التاريخ و الإتجاه الثاني المعتمد على الابحاث والنقوش، وقد خرج الإتجاه الاول بثلاث نظريات الأولى نظرية التوقيف الإلهي للغة والخط والنظرية الثانية هي الحيرية الشمالية ، أما النظرية الثالثة وهي الاشهر فهي النظرية الحميرية والتي لاقت قبولاً لدى المؤرخين القدماء كما لاقت لها انصار من الباحثين حديثاً ومن أبرز من تبنوا النظرية الحميرية في أصل الخط العربي من القدماء ابن خلدون ثم إبن النديم وأبو الحسن الهمداني والقلقشندي،
وفي العصر الحديث يعتبر حنفي ناصف من ابرز المؤيدين لهذه النظريه ويستند في ذلك على عده ادله منها(وجود حروف الروافد في المسند والتي لاتوجد في الفروع الاراميه وتوجد في المسند كما هي في الخط العربي)
الاتجاه الثاني: هو المعتمد على الابحاث المعتمده على النقوش ومنها وجدت نظريتان الاولئ هي نظريه المسند في النقوش وتزعم هذه النظريه محمد علي مادون في كتابه خط الجزم ابن الخط المسند
النظريه الثانيه: النبطيه ويتبناها عدد من علماء الاثار المستشرقين وبعض العرب حيث يرفضون نظريه تطور الخط من المسند اليمني ويؤيدون تطوره من الارميه والنبطيه المتطوره حسب قولهم ويستندون في ذلك الى ان هناك اختلاف كبير في شكل الحروف وتركيب الكلمه في الخط المسند وان الخط المسند جامد لم يتطور عبر اكثر من عشره قرون،وان خط المسند لم يواكب التطور والحاجه الى كتابه سريعه كما يعيبون على خط المسند غياب الضمائر وبعض الالفاظ التي لم يتناولها واقتصر على ضمائر الغائب والفاظ الالهه و المعارك والتخليد وانا ارئ ان اكتشاف خط الزبور يدحض كل هذه القرائن التي تبناها اصحاب النظريه النبطيه و الاراميه حيث يبدو واضحاً حركه الليونه في خط الزبور وانسيابيه الحروف وترابطها احيانا وتطور أشكال الحروف حتى تطور الى الخط العربي بداية بخط الجزم وأنه ما سمي جزم إلا لانه جزم اي اشتق او اقتطع من خط آخر والواضح انه جزم من خط الزبور اليمني فالمصادر القديمة التي ذكرت اشتقاقه من المسند وعارضها البعض نظراً لاستقامه حروف المسند يمكنهم الآن الرجوع إلى خط الزبور وإعادة النظر فيما يذهبون إليه.
الخلاصة
نستخلص مما سبق ان اكتشاف خط الزبور قد قدم إضافة معرفية قيمه في إظهار بعض جوانب غموض تاريخ اليمن القديم ونتاجة الفكري، فاكتشاف أنواع متعددة من هذا الخط تظهر تطور الحروف الكتابية وان مجموعة القطع الخشبيه منه والتي اطلق عليها النقوش المدرسيه تبين ان اليمانيون كان لديهم مدارس لتعليم الكتابة بالخط السبئي منذ وقت مبكر على غرار ما وجد في بلاد الرافدين ومصر والشام ويتضح ذلك جلياً في مجموعة المتحف الوطني ،كما أن الرسائل الشخصيه والتجارة والزراعة تقدم لنا صورة واضحة لبناء وتركيب الجمله والضمائر وغيرها من الدلائل اللغوية التي تدعم وبقوة ان جوهر تطور الخط العربي بداية كان من خط المسند وتحديداً خط الزبور اليمني ، هذا مع الاخذ بعين الاعتبار انا ماتم دراستة لا يمثل 1٪ من إجمالي ما تم اكتشافة ولكن برغم قله ماتم دراسته إلا انها كشفت حقائق بالغة للأهميه وان الدراسات والبحوث لبقية هذا الكنز الحضاري اليمني لا بد وان تقدم المزيد.
كتبه / رياض الفرح 2021 م
المراجع :
1- نقوش خشبيه قديمه من اليمن بخط الزبور،1994م يوسف محمد عبدالله ،جاك ريكمانز
2- نقوش الزبور ،2004م، محمد مرقطن
3- كتابات المسند والزبور في اليمن القديم ،2008م،إبراهيم الصلوي
4- العربية في جنوب الجزيرة العربية حتى ظهور الإسلام ،كتابات الزبور،2015 ،رفعت هزيم
خط الزبور يعتبر رافد مهم في الحضارة اليمنية القديمة
ReplyDelete