عقبة بن عامر الجهني
هو الصحابي الجليل عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو بن عدي بن عمرو بن رفاعة بن مودعه بن عدي بن غنم بن الربعه بن رشدان بن قيس بن جهينة الجهني من قبيلة جهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلّم بن الحاف بن قضاعه بن مالك بن حمير بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير،
وكانت جهينة قبيلة كبيرة والنسبة إليها (جهني). قال ابن خلدون: وقال عمرو بن مرة الجهني وهو من الصحابة:
نحن بنو الشيخ الهجان الأزهر
قضاعة ابن مالك ابن حمير
النسب المعروف غير المُنكر
قبيلة جهينة وبلى
كانت (جهينة) و (بلي) من القبائل القضاعية الحميرية التي تساهم بدور وافر في النشاط التجاري للدولة الحميرية - في العصر الحميري - من خلال السيطرة والحماية للطرق التجارية البرية الساحلية والبحرية إلى الشام والى الساحل الغربي للبحر الأحمر ، ولذلك امتدت وانتشرت مواطن جهينة وبلى من مناطقها في صعده وأعالي تهامة والسروات باليمن إلى ينبع وساحل يثرب وخليج العقبة ،
وقد استمر ذلك في الانتشار إلى نهاية العصر الحميري وفترة الجاهلية ،و جاء الإسلام وعشائر قبيلة جهينة بعضها في أعالي وسروات اليمن وبعضه بجهات ينبع إلى ساحل يثرب كما استقر في يثرب أفراد من قبيلة جهينة وبلي تذكرهم المصادر بلفظ (من أهل اليمن) لحداثة قدومهم إلى يثرب ومنهم كانت أسرة عقبة بن عامر الجهني و كان عقبة بن عامر من أول من - بايع رسول الله عند هجرته إلى المدينة في مطلع السنة الأولى للهجرة ؛ وكان عقبه آنذاك شاباً صغير السن برعي غنماً لأسرته ، جاء في الإكليل : أن عقبة بن عامر الجهني قال: بلغني قدوم النبي المدينة ، فقدمت عليه فقلت: يا رسول الله بايعني. فقال: أبيعة أعرابية أم بيعة هجرية؟ فقلت: بل بيعة هجرية ، فبايعني ومنذ ذلك اليوم في مطلع السنة الأولى للهجرة أخذ عقبة بن عامر مكانه بين أصحاب رسول الله ، وقد أتاح له كونه شاباً يافعاً أن يتقن الكتابة وأن يحفظ ما نزل وينزل من القرآن ويستوعب الأحاديث النبوية ويتفقه في الفرائض والفقه والعلوم ، وأن يبلغ في ذلك كله ما لم يبلغه أكثر الصحابة ، فأصبح عقبة بن عامر من أشهر وأعلم أصحاب رسول الله وكان من أحسن الناس صوتاً بالقرآن وكان شجاعاً فقيهاً ، شاعراً قارئاً ، وهو أحد من جمع القرآن ، له خمسة وخمسون حديثاً قال ابن حجر العسقلاني : روى - عقبة بن عامر ـ عن النبي كثيراً ـ من الأحاديث وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين منهم ابن عباس ، وأبو أمامة ، وجبير بن نفير ، وبعجة بن عبد الله الجهني ، وأبو إدريس الخولاني ، وخلق من أهل مصر . ولقد كان عقبة بن عامر وقبيلة جهينة في طلائع الجيش العربي الإسلامي الذي انطلق لفتح الشام في صفر 13 هجرية وكانوا في الجيش الرابع الذي تولي قيادته عمرو بن العاص في فتح غزة ومناطق من فلسطين ثم اجتمعت الجيوش الأربعة في موقعة اليرموك وغيرها في فتح دمشق ( في رجب 14 ه ) ، فكان عقبة بن عامر أحد الصحابة الذين تسلموا ودخلوا مدينة دمشق يوم افتتاحها وكان هو البريد إلى عمر بن الخطاب بفتح دمشق . ثم شهد عقبة بن عامر فتح القدس ( سنة 16 هـ ) وبقية فتوح الشام التي شهدها عمرو بن العاص وقد استقرت فرقة من قبيلة جهينة في الأردن وهم فرع يسمي آل جهينة من عشائر شرقي الأردن ) . وكان لعقبة بن عامر وقبيلة جهينة إسهاماً وافراً في الفتح العربي الإسلامي لمصر بمعية عمرو بن العاص في كتيبة أهل الراية وكان لمصطلح اهل الراية مدلول خاص في فتح مصر ، وذلك لأن الجيش العربي الذي فتح مصر كان مؤلفاً ومنظماً على أساس قبلى ، فكان أفراد كل قبيلة يكونون كتيبة مستقلة ذات راية تميزها عن غيرها من الكتائب - مثل كتيبة همدان - كتيية مراد - كتيبة كندة - كتيبة حمير - وغيرها . ولكن كانت هناك قبائل لم يحضر الفتح منها سوى بعض عشائرها أو كانت قليلة العدد ، ولم يكن عددها كافياً لتكوين كتيبة ـ أي لواء عسكري بمصطلح أيامنا - ولم تقبل تلك العشائر أن تقف تحت راية غيرها ، فقام عمرو بن العاص بجمعهم معاً وجعل لهم راية خاصة بهم ـ قيل إنها كانت رايته هو بصفته القائد العام للجيش - وقد تكونت كتيبة أهل الراية من كل من الأنصار ، وخزاعة ، وجهينة ، وقضاعة ، ودوس ، وعبس ، وجرش - هؤلاء يمانيون قحطانيون - ومن قريش ، وأسلم ، وغفار ، ومزينه ، تثقيف ، وأشجع ، وليث بكر - هؤلاء عدنانيون ) وأصبحوا جميعاً يسمون ( أهل الراية ).
وقد كان لعقبة بن عامر دور بارز في فتوح البهنسا في صعيد مصر وجنوبها ، وكانت فتوح البهنسا أصعب فتوح مصر ، قال الواقدي في فتوح البهنسا كان في القلب - قلب الجيش - عمرو بن العاص وخالد وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعقبة بن عامر الجهني وبقيه الأمراء أصحاب الرايات ممن شهدوا الوقائع مع رسول الله " وأنه جهز عمرو العساكر إلى الصعيد وبعث طليعة جيشاً - عليهم قيس بن الحرث ومعه جماعة من أمرائهم منهم رفاعة بن زيد المحاربي والقعقاع وعقبة بن عامر الجهني وذو الكلاع الحميري رضي الله عنهم ، وساروا يسيرون في وسط البلاد وبقية العساكر قريبة منهم ، فمن أطاعهم وطلب الأمان أمنوه و صالحوه ووضعوا عليه الجزية ومن أبى قاتلوه ومن أسلم تركوه ،وكان عقبة من أمراء وقاده الجيش في محاربة البطريك بطليموس ومن معه من الروم والنصارى في دهشور ومدينة البهنسا حيث كان على رأس القوة الإسلامية في ( باب قندس بمدينة البهنسا ، ومن اقتحام ( باب القندس بدء الفتح الذي تتوج بفتح تلك المدينة وسقوط أخر معقل روماني ، ورفرفت راية الإسلام في صعيد مصر ، وكان ذلك في آخر خلافة عمر بن الخطاب . ثم كان لعقبة بن عامر وقبيلة جهينة ومعها قبيلة بلي القضاعية الحميرية دوراً أكبر في فتح بلاد النوبة - بجنوب مصر وشمال السودان - في خلافة عثمان بن عفان و حطموا مملكة النوبة المسيحية التي كانت تمثل أقوى دفاع كان يقوم على أراضي أعالي النيل في وجه الفتح العربي الإسلامي وبعد الفتح استقرت العديد من عشائر جهينه في مناطق صعيد مصر وبلاد النوبه إلى السودان و الحبشة كما جاء في كتاب الجامع لبامطرف ان أهم ذكر لجهينة في نسب السودانيين أنهم وجدوا إلى نيف وخمسين قبيلة على النيل الأزرق وكردفان ودارفور . . ومن فروع جهينة الحلاويون بالسودان أما في مصر فقد انتشر واستقر كثيرون من جهينة في صعيد مصر العليا ( الوجه القبلي ) في بلاد أخميم أعلاها وأسفلها ، وهناك فرع من جهينة منازلهم بمنطقة الشرقية والقليوبية وقنا من الديار المصرية . . كما سكنت فرقة من جهينة بمنطقة الأشمونين . . أما في مدينة الفسطاط فكانت خطة جهينة . أي مساكنها - حول مسجد عمرو منذ اختطاطها ، وبها كان دار عقبة
ولاية عقبة بن عامر لمصر
لقد كان عقبة بن عامر أحد كبار الصحابة والقادة في مصر منذ بداية فتحها سنه 20 هجريه إلى أن أصبح واليأ عليها سنة 44 هجرية وإذا نظرنا إلى تلك الفترة ( 20- 44 ) يمكن القول إن المدة من ( 20 - 30 ه ) كانت فترة فتوحاث واستيطان للفاتحين وبداية العصر العربي الإسلامي بمصر ، وقد كان لعقبة بن عامر في ذلك إسهامه الوافر ، ثم تلت ذلك الفترة من ( 36 - 40 ه ) وهي فترة الفتنة الكبرى التي بدأت بمقتل عثمان واستخلاف علي بن أبي طالب ، وقد تولى مصر في بداية تلك الفترة أول الولاة اليمنيين لمصر وهو قیس بن سعد بن عبادة الخزرجي حتى عزله علي بن ابي طالب وولى محمد بن أبي بكر الصديق فاضطربت مصر حتى قتل محمد بن ابي بكر فلما استتب الأمر لمعاوية أعاد تولية عمرو بن العاص على مصر وكانت الفتنة ما زالت مستمرة ، ومكث عمرو واليا على مصر إلى أن مات في مصر في شوال سنة 43 هجرية فقام مكانه عبد الله بن عمرو بن العاص وما لبث أن عزله معاوية وولى اخوه عتبه ابن ابي سفيان ثم ما لبث ان عزله وولى الصحابي الجليل عقبة بن عامر الجهني وذلك سنة 44 هجرية ، وكان عهد ولاية عقبة بن عامر لمصر ( 44 - 47 ه ) يمثل بداية تأسيس وترسيخ بنيان الدولة ومقوماتها في مصر بعد فترة الفتوحات وفترة الفتنة فاستتب الأمن والاستقرار منذ ولاية عقبة بن عامر ، وتم تنظيم الخراج والقضاء والسجلات ، حيث أسند عقبة بن عامر ذلك إلى ( سلیمان بن عثر التجيبي السكوني اليماني ) و انطلقت في ولاية عقبة بن عامر فتوحات شمال أفريقية بقيادة معاوية بن حديج السكوني وكان قائدأ حربياً لولاية مصر ،و أعاد عقبة بن عامر تكوين أسطول بحري حربي لولاية مصر ، وكانت الغزوات البحرية العربية قد توقفت منذ عشر سنوات وتلاشى الاهتمام بالبحر في فترة الفتنة الكبرى ، فأعاد عقبة بن عامر تكوين أسطول بحري لفتح جزر البحر الأبيض المتوسط الأوروبية - من مصر - ولما استكمل الاستعداد لذلك ، كتب إليه معاوية بن أبي سفيان بأن يغزو جزيرة رودس ( اليونانية ) ، فانطلق عقبة بالسفن سنة 47 هجرية . واستناب مسلمة بن مخلد الأنصاري ، وأثناء ذلك أتى كتاب معاوية بتولية معاوية بن حديج السكوني على مصر ، فلما علم عقبة بن عامر قال : ( أشربة وعزة ) ، و مضى إلى الجهاد كقائد للسفن والغزوات البحرية من مصر في إطار ولاية معاوية بن خديج السكوني لمصر ، فغزا جزيرة رودس وغيرها من جزر البحر الأبيض المتوسط عام 47 إلى 48 هجرية . وفي عام 58 هجرية ( 178 م ) توفي الصحابي الجليل عقبة بن عامر الجهني في الفسطاط بالقاهرة حيث ما يزال - في القاهرة مسجد عقبة بن عامر ، بجوار قبره ) ، وكان عقبة بن عامر ممن جمع القرآن الكريم وكتبه کاملا بخط يده ، وذكر ابن حجر السعقلاني عن ابن يونس قال : رأيت مصحفه بمصر ، وفي آخره : كتبه عقبة بن عامر بيده : فرضي الله عنه وأرضاه .
يمانيون في موكب الرسول الجزء الأول
تأليف محمد حسين الفرح
تقديم رياض الفرح