اول خطوات البحث العلمي عن تاريخ العرب واكتشاف خط المسند
الفضل الأكبر في الاكتشافات العلمية ببلاد العرب إبان القرن الثامن عشر، إنما يرجع إلى الألمان، وربما كان العالم "ميخايلس" هو أول من وجه الأنظار إلى بلاد العرب، وإلى الصلات القوية التي تربط بينها وبين العلوم المتصلة بالكتاب المقدس، ومن ثم فقد أقنع "فردريك الخامس" ملك الدانيمارك، بإرسال بعثة علمية إلى بلاد العرب، تحركت من ميناء "كوبنهاجن" في 4 يناير 1761م،،
إن أهمية رحلة كارستن نيبور تنبع من كونه من أقدم الرحالة الأوروبيين الذي تجولوا في بلادنا، وتقديمه وصفا تفصيلياً لجغرافيا وتاريخ ومجتمعات العرب قبل قرنين ونصف،و ما زالت المعلومات التي دونها "نيبور" مرجعًا أساسيًّا عن اليمن حتى الآن، فضلا عن أنه لفت أنظار العلماء إلى خط "المسند" والرُقُم العربية، إلى جانب ما قدمه من خرائط لأماكن مجهولة لم تكن قد وطأتها قدم أوروبي قبل ذلك، هذا وقد وضع هذا الرحالة الممتاز كتابًا عن رحلته الاستكشافية
1- وصف الجزيرة العربية، نُشر في كوبنهاجن بلغة هولندية سنة 1772م، يشتمل على وصف كامل للجزيرة العربية وشبه جزيرة سيناء وأسماء مدنها وقراها مع ذكر القبائل العربية والأمراء والأعيان والمذاهب الدينية السائدة وحتى خرائط المدن والمناطق.
2- (رحلة إلى شبه الجزيره العربيه والى بلاد أخرى مجاوره لها )، نُشر عام 1774م، وقد أعاد أحد أبناء نيبور نشر هذا المجلد سنة 1837م، وأضاف إليه بعض أبحاث رفيق نيبور (فورسكال) عالم الأحياء النباتية، وهذا المجلد تم ترجمته إلى العربية بواسطة : عبير المنذر، وأصدرته دار الانتشار العربي سنة 2007م ، في هذا الكتاب يتحدث نيبور عن اليمن والحجاز و الأقاليم المحيطة في بلاد العرب مثل العراق والشام وإيران والهند
أمر الملك فردريك الخامس ملك الدنمارك سنة 1760م قيام رحلة علمية هدفها كتابة تقرير علمي واجتماعي شامل عن الجزيرة العربية وسوريا ومصر، تكونت البعثة من: "كريستنس فون هافن" المتخصص في اللغات الشرقية، و"بيتر فورسكال" المتخصص في علم الحيوان، و"كريستنس كارل كرامر" الطبيب، و"جورج فلهلم بورنفيند" الرسام، ثم "كارستن نيبؤور" لعمل الخرائط وتدوين المعلومات الجغرافية. وانخرط في دورة لمدة عام ونصف تقريبا درس بها علم الرياضيات والمساحة والخرائط وبعض الدروس في اللغة العربية بشكل مكثف ليتأهل لموقعه في البعثة كمساح وراسم للخرائط .
ومع مطلع العام التالي (كانون الثاني 1761م) أبحرت الحملة، لتصل إلى الإسكندرية، ثم القاهرة، ثم جبل سيناء.
وفي عام 1762م غادر نيبور ورفاقه إلى السويس ووصل منها إلى جدة، ومن جدة غادر إلى (المخا) في اليمن.
لقد كتب نيبور عن كل المناطق التي زارها، ورسم خرائط لها، وتحدث عن السكان والقبائل والمذاهب والأديان، وقد طالت فترة بقائه في اليمن فزار صنعاء وبيت الفقيه وظفار .
بدأ الإعياء وعدم تكيف الأوربيين مع المناخ ( وخاصة في اليمن ) فتوفي اثنان من رفقاء نيبور في اليمن: (بيتر فورسكال) و(فون هافن)، بل إن نيبور نفسه أصيب بمرض خطير فترك بقية البعثة في اليمن- وانتقل إلى الهند، ولكنهم توفو جميعا وتكيّف نيبور مع مرضه إلى أن شُفي كما يقول هو باتباع العادات الغذائية السائدة، مع العلم أن نيبور هو الشخص الوحيد الذي عاد سالماً من أفراد البعثة.عاد نيبور من الهند إلى مسقط عاصمة عمان، وتجول بها وكتب عنها، ثم زار إيران ومنها انتقل إلى العراق فمكث في بغداد فترة طويلة نسبيا، وخرج منها قاصدا سوريا سنة 1764م وفي عام 1767م زار اسطنبول، ثم فلسطين ومنها أبحر إلى قبرص ليعود إلى وطنه في عام 1770م، تنقل بين عدة مناصب عسكرية في كوبنهاجن حتى عام 1778م عندما استلم منصبا مدنيا رفيعاً في مقاطعة ( هولشتاين)، بقي نيبور هناك حتى حانت وفاته سنة 1815م.